رئيس الوزراء السيد الكاظمي ليس خبيراً مصرفياً ولا من رجالات المال والماليّة , وهو ابعد ما يكون عن ذلك , لكنه خضع واستسلم أمام مستشاريه ” وتسرّعَ بالسرعة القصوى في ذلك ” حول اللجوء الى استقطاعاتٍ كبيرة من رواتب موظفي الدولة ولم يستثنِ بها حتى رواتب المتقاعدين , وهي سابقة لم تسبقها اية سابقةٍ مماثلة في تأريخ الدولة العراقية وانظمة الحكم التي تعاقبت عليها , وفي أسوأ الأزمات الأقتصادية وحالات التقشف التي مرَّ بها العراق عبر السنين , ويوم امس تعرّضتْ الحكومة العراقية الموقّرة ! الى موجةٍ من النقد الجماهيري اللاذع والمصحوب بأقسى المفردات والكلمات النابية الحادّة , جرّاء الإعتداء والتجاوز على حقوقهم ورواتبهم . ولم يكن ذلك لوحده , وربما لم ينتبه البعض ” جرّاء الصدمةِ هذه ” , بأنْ جرى استقطاع او سرقة او قطع ثلث الراتب الشهري ايضاً وذلك عبر تغيير موعد الأستلام الشهري الى 40 يوماً , ودون أن تعلن الحكومة العراقية عن تعويض الموظفين والمتقاعدين في هذا التمديد ! ومن الملاحظ في هذا الصدد أنّ أيّاً من قادة احزاب الإسلام السياسي لم تعترض ولم تستنكر هذا الإجراء , حتى ولو شكلياً في الإعلام , وهذا أمرٌ طبيعي , فلا يعنيهم ذلك .. وفي الحقيقة فأنّ الوضع المالي المتأزّم الذي تشهده الميزانية العراقية , لم يبدأ مع انخفاض اسعار النفط جرّاء فيروس كورونا وتبعاته , فقد سبق أن كان احتياطي العراق من العملة الصعبة اكثر من مئة مليار دولار , لكنها تلاشت في عالم المجهول والإهدار ودونما استرسال .! , فمنذ بدء وصول او ايصال احزاب السلطة الى السلطة , فوجئ المجتمع العراقي بضخّ آلافٍ مؤلفة جديدة من الموظفين الجُدد وتوزيعهم ونشرهم في كافة وزارات ودوائر الدولة , بذريعة انهم مفصولين سياسيين سابقين , وجرى تعويضهم مالياً بأثرٍ رجعي في السنوات التي لم يكن لهم ايّ حضور او وجود في دوائر الدولة , والمضحك – المبكي أن جرى تمديد سنّ الإحالة على التقاعد ” لهؤلاء فقط ” الى غاية 70 عاماً .! , والأنكى من ذلك وغير ذلك هو عدم وجود ايّ مفصولٍ سياسيٍ سابقاً قبل الإحتلال .! , وكلّ ما في الأمر أنّ بعض اولئك سبق وان هربوا من العراق , وبعضهم تركوا وظائفهم ” بعد سنواتٍ قلائل من الخدمة ” لسببٍ او لآخر , لكنّ ما جرى أنّ الأحزاب التي جاءت من خلف الحدود صارت تمنح كُتب تأييد لمن هبّ ودبّ الى وزارات ومؤسسات الدولة بأنهم من الأعضاء السابقين في تلكم الأحزاب وجرى فصلهم سياسياً , ومع ادراك ومعرفةٍ مطلقة أنّ وزارة المالية على علمٍ بهذه اللعبة ! وسبق لعادل عبد المهدي أن كان وزيرا للمالية في بداية عصر ما بعد الأحتلال , وإنّ مَن اعقبوه في هذه الوزارة لم يكونوا من خارج ادارة هذه اللعبة ! او لا يستطيعون الإعتراض عليها .! , ولا نأتِ بجديدٍ عبر اعادة التذكير أنّ هذه الأحزاب الحاكمة سبق وقامت بتعيين منتسبيهم واقاربهم بصفة مستشارين ووكلاء وزارات ” ممّن لم يمتلكوا خدمةً وظيفية ليومٍ واحد ” وأحالوا العديد منهم انفسهم الى التقاعد بعد سنةٍ او سنتين , لضمان الراتب التقاعدي مدى العمر .! , ومن المثير اعادة التذكير مرةً اخرى الى ابتكار مصطلح ” الخدمة الجهادية ” لقياديي الأحزاب ” وما يترتب عليها من رواتب ومخصصات باهضة , عندما كانوا هؤلاء لاجئين يتسكعون في دول الغرب ويستلمون مخصصاتٍ مالية من تلك الدول التي آوتهم .! , الحديثُ في هذا المضمار يطولُ ويطول وامسى واضحى حديثاً معتّقاً ! , وكانَ مفروضاً فرضاً على المجتمع العراقي أن يتأقلم معه شاءَ أمْ ابى .!
الخلاصة المستخلصة أن ما انفكَ وما فتئَ أمام الكاظمي في اعادة النظر وبِبُعد نظر في تلك المجريات التي ما برحت جارية , انما علائمُ استفهام بصيغةِ مطبّاتٍ تبدو منصوبة ومترسخة في هذا الشأن .!