من روائع أم كلثوم أغنية “أ غدا ألقاك”
كلمات الشاعر الهادي آدم وألحان محمد عبد الوهاب.
أستمع إليها كلما أزعجتني الرسائل والمقالات والقصائد والمنشورات , التي تتغنى بالماضي وتنكر الحاضر وتتجاهل المستقبل, ذلك أن في كلماتها معاني إنسانية وإدراكية راقية , وقد كُتبت كلماتها بمداد الحياة وسلاف جوهرها , ولُحِنت بإحساس الغارقين بكنه الوجود الأعظم.
أ غدا ألقاك؟ يا خوف فؤادي من غدي
يا لشوقي واحتراقي بانتظار الموعد
………
وغدا تأتلق الجنة أنهارا وظلا
وغدا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولى
وغدا نزهو فلا نعرف للغيب محلا
وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
قد يكون الغيب حلوا , إنما الحاضر أحلى….!!
أغنية يفوح منها أريج الأمل والرجاء والمشاعر الفياضة المرافقة للخطو الإنساني الواثق إلى أمام , فما معنى إنكار الحاضر والمستقبل والتغني بما مضى , إذ تجد سيلا من القصائد والمقالات والمنشورات بأنواعها تتمجد بالماضي وتحن إليه وتحسب البارحة أفضل من اليوم والغد , وتمعن في تعزيز وتسويغ هذه الرؤية السلبية التي سينجم عنها سلوك سلبي مقيت.
وفيها إقترابات تعجيزية وإقناطية تمنع الجد والإجتهاد والتحدي , وتستلطف الواقع المضمخ بالأنين والحسرات القاسيات , والدموع الساخنات , بل حتى لتجد هتافات جماهيرية تعلي من قيمة ما مضى وتستنكر الحاضر بما فيه وبما سيلده ويأتي به في الغد.
إن السلوك البشري بوصلته الأفكار والتصورات والرؤى , وكلما كانت سوداء خاوية كان الواقع الناجم كذلك , وكلما كانت ذات قيمة إنجازية وإنطلاقية نحو آفاق مستقبلية , كلما تمكنت من بعث السلوك الكفيل بتحقيق الرائع والبهيج.
فكيف يكون الحاضر أجمل وأحلى؟!!
ذلك يتحقق بالجد والإجتهاد والإيمان المطلق بالقدرة على المضي قدما في سبيل الرقاء والرجاء والأمل السعيد , وعندما تتحقق الرؤى الإيجابية في العقول والقلوب والنفوس فإن المجتمع يمضي في مسيرة ذات قيمة حضارية معاصرة.
ولهذا فمن الواجب الجمعي العمل على إرساء البنى التحتية النفسية والسلوكية للأمل الأصدق , والأقدر على إطلاق ما في المجتمع من طاقات , وإستثمارها وفقا للآليات المعاصرة اللازمة لصناعة الحاضر الأروع والمستقبل الأبهى.
وهكذا تتكون الأمم والشعوب وتتحقق الأهداف والطموحات , وغدا ألقاك , يا صوتَ فؤادي في غدي!!
وإن الأمة لتكون برغم عواصف الأحزان والإحباط والشجون!!!