لا أدري بأي عقلية يُدار بلد مثل العراق، وأين يُراد به الوصول؟ وكلما إعتقدنا أو هكذا نظن أن البلد أصبح بأمان وإستقرار وإذا بنا نقع في دائرة الخطأ ويعود بنا الزمن إلى الوراء ونسقط في قعور الفوضى والإرباك إلى درجة بِتنا نعتقد أننا لن نغادر تلك الدائرة.
هناك مثل شعبي في العراق يقول “يخوط بِصف إستكان الشاي” ويبدو أن الحكومة تعمل بهذا المثل قولاً وفعلاً.
لا أعلم ما نفع جيوش المستشارين الذين يحيطون برئيس الوزراء وهم يرون الشرارة الأولى لإنطلاق تظاهرات الموظفين الذين يطالبون بتعديل سُلّم الرواتب وإنصافهم، أو جموع المتقاعدين وهم يحتشدون تحت أشعة الشمس الحارقة للمطالبة بتحسين وضعهم المعاشي وزيادة رواتبهم التي لا تكفي عوائلهم حتى الخبز.
وبدل أن يستدرك رئيس الوزراء حجم الخطر الذي يُهدد الوضع عندما تخرج الأمور عن سيطرتها وتمتلئ الشوارع بالمتظاهرين ويحصل ما لا يُحمد عُقباه، راح يحمل طمأنة الشارع العراقي والمواطن بتخصيص (١٥٠) مليار دينار لتغطية تكاليف الإنتخابات المحلية المزمع إجرائها نهاية العام الجاري وكأن المواطن لا هم له سوى إنتظار موعد الإنتخابات واللهفة لإجرائها والمشاركة بها.
جيوش المستشارين لم تنصح رئيس الوزراء إلى ضرورة تلافي غضب جموع المنتفضين في الشارع العراقي الذين يطالبون بتحسين واقعهم المعيشي ليكتشف الشعب أن الرئيس مهتم لأمر إجراء الإنتخابات وتخصيص المليارات من أجل إنجاحها وهو يعلم أن الشعب يعيش في واد والسلطة في وادٍ آخر، وأكاد أُجزم أن رئيس الوزراء يُدرك جيداً إن إجراء الإنتخابات من عدمها لم تعد تهم الفقراء والجياع بقدر إهتمامهم بتوفير قوت يومهم في زمنهم الرديء والصعب.
الحكومة تخوط بصف الإستكان لأنها غائبة عن الوعي ولا تدرك ما يمكن أن تفعله ثورة الجياع إن إنتفضوا، لم تتعلم السلطة اللاحقة من السابقات عندما كانت التظاهرات تعم شوارع العاصمة ومدن الجنوب من أجل المطالبة بتحسين واقع الكهرباء أو إنتشالهم من البطالة، فظلّت تتنكر لكل تلك الإنتفاضات حتى إنفجرت بقوة بوجه عادل عبد المهدي بثورة تشرين وأودت بخسائر للطرفين.
إنصاف المتقاعدين وتعديل سُلّم الرواتب لا يحتاج إلى فذلكة مجتهد أو نظرية خبير فكل المطلوب هو تخفيض الرواتب العليا والمخصصات التي تُبذخ أو تُعطى بإفراط لموظفين وتوزيعها بشكل عادل للبقية، أو التنازل عن نثرية الرئاسات الثلاث التي لا يُعرف أين تُصرف أو تذهب.
لا تستهينوا بمطالب هؤلاء أيتها السلطة وتضعوها على أدراج ملفات النسيان فهي الشرارة التي إن إنطلقت فإنها ستُشعل الأخضر مع اليابس، لا تتجاهلوا أصوات المنتفضين في الشارع فربما تتحول هذه الصرخة إلى زلزال يُسقط عروش الحكام، نتمنى من رئيس الوزراء أن لايتجاهل غضبة الجائع.
هناك حكمة صينية تقول “لا تحتقر الأفعى لأنها بدون قرون، فقد يأتي اليوم الذي تتحول به إلى تنين” نُذكّر بها عسى أن تنفع الذكرى مَن يتغاضى عن شرارة الانتفاضة.