قبل أيام انتهت فعاليات ملتقى عالم الشعر الثاني في مدينة النجف الاشرف والتي استمرت لمدة اربعة ايام تكللت بالعديد من الفعاليات النقدية والبحثية والدراسات اضافة الى قراءات شعرية تنوعت باشكالها ما بين العمود والنثر والتفعيلة وافرزت الكثير من النصوص الناضجة والمتقدمة في البناء ورصانة الجملة الشعرية بموضوعات مختلفة التناول والاسلوب ، كما تخللت القراءات الشعرية ايضا الكثير من النصوص المهلهلة والمطولة والتي استاء الجمهور منها الى حد مغادرة القاعة . وكنت اتمنى في مهرجان كبير مثل ملتقى عالم الشعر الذي استطاع ان يضيف اكثر من ثلاثمائة شخصية ادبية ان يكلف لجنة معتبرة لاختيار النصوص التي تقرأ ليسجل سابقة وتقليداً يضع فيه حدا للانتهاكات المتكررة على المنصة ويرسخ مفهوما ثقافيا مكتنزا بالمعايير التي تصنع ثقافة ناجعة نحلم بها في قادم السنين، واعتقد ان الثقافة النجفية هي الأحق والرائدة في وضع إعتبارات ومبادئ جديدة في الثقافة العراقية برغم الحرج الكبير الذي ينتج عن ذلك ، ولا ضير ، فالمشاريع الأدبية الكبيرة تحتاج الى بعض التضحيات، وتكون الدعوات على أساس مشارك وضيف.. اما فيما يتعلق بالجلسات الدراسية والبحثية فكان من الاجدى ان تطبع البحوث والدراسات المقدمة بعدد كاف على الحضور وتوزع قبل الجلسة بساعات حتى يتسنى قراءاتها ويكلف صاحب البحث بقراءة موجزة لبحثه لا تتجاوز الخمس دقائق وعلى ضوء ذلك تتم المناقشة لإغناء البحث والاستفادة، لا ان يمنح وقتا محددا بخمسة عشرة دقيقة قد لا تكون كافية لطرح ما يحتويه البحث وارجو ان يكون هذا منهجا اكاديميا يعتمد في المهرجانات القادمة.
باستثناء هذين التفصيليتين ، فقد كان ملتقى عالم الشعر ناجحا بكل شيء بدءاً من الضيافة الكريمة المعهودة بأهل النجف الاشرف وانتهاء بالتنظيم الذي فاق التصور باستضافة هذا العدد الكبير من مبدعي العراق من الداخل والخارج فضلا عن الضيوف الذين حضروا من عدة بلدان شقيقة وصديقة عاشوا اياما رائعة من المحبة والتلاقح الثقافي الذي وفرته هذه المدينة المقدسة لتعلن استعدادها التام لتكون عاصمة للثقافة الاسلامية في العام القادم، واعتقد مثل هكذا نجاح لم يكن وليد صدفة او ضربة حظ، فقد كان الملتقى الاول في العام الماضي حاملا لنفس المواصفات التي حملها الملتقى الثاني ولكن السمة التي برزت هذه السنة هي العدد الكبير من الضيوف الذي صار عددهم ضعف عدد العام الماضي وذلك يدلل على اصرار هذه المدينة باتحاد ادبائها الذي برهن لمسؤولي هذه المدينة انه حقا اهلا لادارة مثل هكذا فعاليات كبيرة، واهلا حقا بان يكون الحاضنة الفكرية والمعنوية والادارية لمجمل نشاطات وفعاليات النجف كعاصمة للثقافة الاسلامية. فقد وجدنا في العديد من اعضائه روحاً مفعمة بالإندفاع والدأب والمثابرة والحرص المسؤول على إستكمال مستلزمات النجاح، حتى تشعر وانت الوافد لهذه المدينة انك في بيتك وبين احبتك . هذه الروح المتجذرة بالذات النجفية الهبها وفك طلاسم صيرورتها نحو الألق الذي رايناه بها شاعر وضع الابداع وجهته الأولى والأخيرة، فكان فارس حرام مثالاً للحميمية الصادقة المثقفة، وكان زملاؤه فوارس بالطيبة والنقاء وحسن اللقاء وتحمل انواع المزاجيات التي تحملها ذوات شتى.. واعلم ان صبرهم الجميل لم يكن متأتيا من اجل ارضاء الآخر فقط، وانما من اجل إنجاح فعل ثقافي يؤسس لإبداع كبير، تكون النجف الاشرف احدى أهم حواضنه العظيمة التي هي اهلا لذلك.