فن إيجاد الحلول للمشاكل والمصاعب التي تواجه البلدان والدول تحتاج إلى عقول تتعامل مع الواقع كما هو ولا تُشرك الاحلام والاماني في العملية, كما ذهبت وسائل إعلام غربية في محضر بحثها عن مخارج للحرب الأوكرانية, بالحديث تارة عن إصابة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسرطان وتوسل موته العاجل لا الآجل او تعرضه للاغتيال في إحدى قاعات الكرملين على يد أحد مُخلصيه وتارة أخرى عن انتحاره.
يبقى كل ما يُطرح في إطار التمني ليس الا, وبالخصوص لجوئه للانتحار , فإضافة إلى عدم وجود أسباب لذلك كأن تكون, على سبيل المثال – انكسار عسكري, فإن السمات الشخصية لبوتين, وحتى بمعايير المحللين الغربيين لها, لا تشير إلى شخصية ضعيفة او مهزوزة مترددة بل على العكس, فهو يمتلك كاريزما قيادية وثقة عالية بالنفس ووضوح أهداف إضافة إلى جبروته السياسي والعسكري واستناده إلى تأييد شعبي واسع.
وعلى غرار أولئك, جاءت المقترحات والحلول الملتبسة المطروحة لتسليك الانسداد السياسي الحاصل عندنا بعد حالة الدوخان والتوهان واختلال التوازن السياسي التي تعانيه القوى المتحكمة بزمام الأمور في البلاد, بعد الصفعة التي تلقتها من شباب انتفاضة تشرين الباسلة 2019 التي أطاحت بالنزعات الطائفية و التقسيمات التجزيئية من الوعي العراقي, لتقود بعدها إلى واقع مادي موضوعي جديد تمثل في تفكك وانهيار ما كانت تسمى البيوت الطائفية والعرقية من شيعية وسنية وكردية.. المدعية تمثيلها لمكونات العراقيين رياءً, حيث انعكس وتجلى ذلك في نسبة المشاركة البائسة ال 19% من 27 مليون من الذين لهم حق التصويت في انتخابات 10/ 10 البرلمانية العام الماضي, وتحول هذا الانحسار إلى انقسامات وصراعات داخلية في صفوفها.
هُزال وهزلية عمليتنا السياسية يتمثل في تحكم ” الثلث البرلماني المعطل ” الذي يشكل بحجمه الهزيل – ثلث نسبة الـ 19% المذكورة, ممن شاركوا في الانتخابات الفائتة , الا انه يشل حياة البلاد بكل مناحيها !!!
ولأننا نعرفهم عن ظهر قلب بعجزهم عن اجتراح شيء جديد, تابعنا بغير اقتناع, المقترح الأول للقوى السياسية لتسليك مجاري العملية المسدودة واختناقاتها, بعد الفشل بتشكيل كتلة برلمانية اكبر للتصويت على رئيس جديد للبلاد – يكمن في العودة إلى المحكمة الدستورية العليا, مرة أخرى, التي أفتت, قبل أشهر ب ” الثلث المعطل “, سبب فوضى الانسداد الحالية, لتفصّل لهم أو تستنبط مخرجاً قانونياً آخر, ينقذ العملية السياسية من حالة الاختناق.
وهذا المقترح الخيالي نابع من أمنية غير عملية, لا تستطيعه المحكمة العليا ولا قضاتها, لأن التراجع يسيء لها ويقلل من هيبتها.
هاجس الوصول إلى مخرج من الأزمة السياسية جاء بالخيار او المقترح التالي – بإجراء استفتاء شعبي مباشر لاختيار رئيس الجمهورية.
وهذا الاقتراح رغم كل ما يحويه من جاذبية ديمقراطية مطلقة, سقط سقوطاً مدوياً لأنه لا يستند إلى أساس دستوري, حيث لا توجد اشارة في الدستور العراقي إلى استفتاء لاختيار رئيس للدولة.
غير أن آخر ما طُرح بعد إخفاق ” التحالف الثلاثي الوطني ” الفائز الأكبر في الانتخابات عن انتخاب رئيس للجمهورية بسبب تعنت ” الإطار التنسيقي الشيعي ” الذي اصطلح على تسميته بالثلث البرلماني المعطل, هو إعطاء النواب المستقلين, والكثير منهم شباب انتفاضة تشرين, مسؤولية تشكيل الحكومة ! ( المقترح بالعموم خارج موضوع الإشكال السياسي وأسباب الأزمة الراهن, لأن المشكلة المطروحة حالياً هي في اختيار رئيس جمهورية لا ايجاد رئيس الوزراء, التي هي مهمة رئيس الجمهورية المصوت عليه برلمانياً ).
لذا يبدو التكليف طوباوياً !
و ” شي مايشبه شي”… كيف لمجموعة برلمانية, حتى لو توحدت أطرافها, عددها محدود, أن تُمرَر وتنجح, في حين أن كتل برلمانية أكثر عدداً اخفقت قبلاً ؟ هذا إذا افترضنا وجود حسن نيّة وإجماع بين الكتل المتصارعة الفائزة التي قمعتهم البارحة, بهمجية بالغة, على إعطائهم الفرصة اليوم ؟ فهذا الأمر لا ينسجم مع المنطق السياسي وواقع الاستكلاب على مراكز النفوذ ومنافذ الامتيازات.
هل يمكن تصديق استعدادهم للنزول عن بغلتهم الأثيرة, السلطة, وهم الذين تدافعوا ويتدافعون بالارداف لنيّلها ونوالها ؟
يبدو الأمر وكأنه دعابة سمجة !
من المؤكد بأن مقترحات الحلول الفوقية التي لا تستند إلى الحاجات والمطالب الشعبية في التغيير, ستبقى عائمة وهائمة, وسوف لن تفضي إلى حلول او نتائج حقيقية مفيدة, ولا يتفاعل معها المواطن…
.. فقد أدرك العراقي بأن انسداد مجاري العملية السياسية الراهنة لا تسلّكه القوى التي خنقتها سياساتها الفاشلة وفسادها, بل التغيير الجذري لهذه العملية المقلوبة رأساً على عقب, ورفع عاليها الشعب على سافلها من سياسيي الصدفة !