إننا لا نمتلك كما يقال ( ظهوراً ) من موضوع الإنجرار خلف السياسيين لأن السياسة مجمع وماخور للنفاق والدجل والكذب وأن الّذين يظهرون متصارعون مختلفون فيما بينهم في الفضائيات سيأتي يوم يجلسون ويتصافحون ويضحكون ويتبادلون النكات .. ثم يذهبون إلى الولائم وأحدهم يمسك بيدِ الآخر أردنا مئات المرات أن نوصل هذه الفكرة بعدم الإنجرار خلف السياسيين العراقيين أو من يسمون أنفسهم قادة في العراق .. ولم يسمعنا أحد لأننا لا نمتلك أرصدةً في المصارف الأجنبية أو حمايات أو عشرات السيارات أو شيوخاً أو وجهاء .. بل كنّا ومازلنا نعاني ما يعانيه شعبنا الأبي المجاهد من ويلات الخراب والدمار منذ أن وطأت دبابات العدو الأمريكي المحتل أرض الرافدين !
إنسحب العدو المحتل وبدأ إحتلالٌ أخطر منه وهو إحتلال الأهل
( للأهل ) والسياسيون يقبعون في أبراجهم متوزعين في الداخل والخارج .. وجوه لم نرها من قبل رأست جموع الناس ومثلتهم .. مراهقون لم يفقهوا من الدنيا شيئاً بعد أصبحوا منظرين في حقوق الإنسان والدفاع عن المظلومين .. بينما عجلة الموت تحصد برؤوسنا تباعاً .. إنتخابات عجيبة ومرشحون أغلبهم من أصحاب النفوذ والمقاولين والمذيلين لشخصيات تفتخر أنها كانت السبب الرئيس لإدخال العدو المحتل إلى العراق .. وآخرون وآخرون همهم التمسك بالجاه والمناصب والترف وحقن العقول بدواءٍ موجع إسمه الصبر .. الصبر على هذه البلوى التي يمرُّ بها الشعب العراقي بعد أن ضاع عليهم كل شيء .. نعم كل شيء ولم نرجع إلى المربع الأول فقط بل نُفينا خارج ساحة المربعات .. ألا يوجد لهؤلاء الناس من رادع.. من ضمير .. من تقوى أن يدعو العراقيين وشأنهم ! أما كفاهم ضحكاً على الذقون والعقول والقلوب وتم اقتطاع مدن من ( العراق ) لتتوزع إلى محافظات أخرى .. أصاب أبو جعفر المنصور حين إختار بغداد عاصمة للدولة العباسية بدلا من الأنبار العاصمة الأولى للعباسيين بعد إسقاط الدولة الأموية .. المنصور استمع إلى مقترحات عدة لبناء عاصمة جديدة لدولته المترامية الأطراف كان من بينها واسط وكربلاء والكوفة والبصرة وتكريت والمدائن ، حتى استقر رأيه أخيرا على بغداد وبناء أول عاصمة مدورة في التاريخ عام 141 للهجرة 758 ميلادية ، بغداد عاصمة العراق منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا لكنها هل تبقى عاصمة للعراق !
العباسيون حولوا بغداد كما أجمع المؤرخون العرب والأجانب إلى مركز علمي وثقافي واقتصادي أثار حفيظة الكثير من المتآمرين والمتربصين داخل الدولة وخارجها .. أعداء الداخل وجد لهم خلفاء بني العباس حلا تمثل في القضاء عليهم وسجنهم وتهجير من بقي منهم إلى دول أخرى كي ينظم لاحقا أحفادهم لجحافل الجيوش التي أسقطت بغداد في خلافة المستعصم بالله.. رغم ما حدث من خراب وتدمير وسلب ونهب وقتل للأبرياء في بغداد حاول المحتلون تغيير ومحو بغداد من خريطة الحواضر على اعتبار أن لهم عواصم أخرى آنذاك في عدد من دول شرق وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى( لم أذكر أسماء الدول المحتلة بتعمد) وشجعوا الناس على هجرتها وقدموا تنازلات كثيرة لتغيير عاصمة العراقيين والعرب لكنهم لم يفلحوا، فعادت بغداد عاصمة للعراق وقبلة الإنسانية ورمزا شامخا رغم اتخاذ عشرات المدن البعيدة والقريبة من بغداد عواصم لدول وخلافات وإمارات وإمبراطوريات لعل أطولها كان للدولة العثمانية واختيارها القسطنطينية ( إستبدل إسمها في عام 1930 إلى إسطنبول) عاصمة لدولتها للمدة من عام 1299 ميلادية وحتى عام 1923 بعد إنهيار الدولة العثمانية وتأسيس الدولة العلمانية الأتاتوركية في تركيا.. وليس من قبيل الصدف أن يعيد الاحتلال البريطاني تسمية بغداد عاصمة للعراق بل تخطيط متعمد كان هدفه إبعاد النظر وعدم التفكير مستقبلا بعواصم أخرى غير بغداد قريبة من مواقع الأطماع الإقليمية في المنطقة.. اليوم وبعد عام ( 2003 ) أصبح الخطر يهدد بغداد أكثر من أي وقت مضى فهناك مؤامرات محكمة واستراتيجيات تنفذها بإحكام كتل سياسية وأحزاب متنفذة داخل العراق ، نجحت في إسقاط أهم الأسس التي من المفترض أن تتمتع بها العواصم وهي اتخاذ القرارات .. فجميع القرارات المتخذة في العراق تهيأ وتصنع وترتب في محافظات أخرى ويبقى ما يعرض على الشعب من أكاذيب وتمرير لتخطيط أحبك بدقة لتغيير واستبدال عاصمة العراق واختيار واحدة من ثلاث مدن كعواصم حقيقية للعراق في المستقبل القريب.. كربلاء عاصمة العراق الدينية أو الموصل عاصمة العراق الأمريكية أو البصرة عاصمة العراق النفطية أما بغداد ستبقى عاصمة شكلية فقط لمطاعم الدرجة الأولى وشوي السمك المسكوف !