22 ديسمبر، 2024 11:32 م

إنسحاب نواب التيار الصدري من البرلمان العراقي بعد طلب الصدر ! ماذا بعد؟

إنسحاب نواب التيار الصدري من البرلمان العراقي بعد طلب الصدر ! ماذا بعد؟

دخل العراق في حالة من الجمود السياسي منذ مارس2022 عندما فشل البرلمان العراقي في تشكيل الحكومة الجديدة بسبب الخلافات بين الأحزاب السياسية . وبموجب نظام تقاسم السلطة المصمم لتجنب الصراع الطائفي ، فإن رئيس العراق كردي ورئيس وزرائه شيعي ورئيس البرلمان سني. وعليه تشكلت جبهتان متعارضتان داخل البيت السياسي الشيعي والسني والكردي حملت الأولى منها شعار الأغلبية وضمت تحالف “إنقاذ وطن” الذي يضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني الذي يضم كتلتي ” تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي و”عزم” بزعامة خميس الخنجر، في حين جاءت الجبهة الثانية بشعار التوافقية وتتألف من الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني وبعض الكتل الأخرى.
إلا ان تلك التشكليات بعد ثماني أشهر من الانسداد السياسي لم تؤتي ثمارها المرجوة في تشكيل حكومة عراقية تنقذ البلاد من براثن الأزمات الاقتصادية والمناخية والأمنية ، فاليوم نحن أمام حادثة هي الاولي من نوعها منذ انهيار النظلم السابق . إذ أصدر السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري أمرا ولائيا لجميع أعضاء كتلته في البرلمان العراقي بتقديم استقالاتهم الى السيد رئيس مجلس النواب الذي لم يتوانى عن المصادقة عليها بالرغم من دعوته للسيد الصدر بالتراجع عن قراره، وتعهده باستمرار التواصل مع الكتلة الصدرية باعتبارها كتلة تمتلك مساحة جماهيرية كبيرة وواسعة. وربما سيشهد قرار التيار الصدري تطورا اخر يتمثل في استقالات جماعية لاتباع التيار على مستوى الادارات العامة في المؤسسات الحكومية.
ان هذه الخطوة التي أقدم عليها التيار الصدري في المؤسسات التشريعية لاشك في ان لها جملة من الاثار والتداعيات التي ربما ستظهر عاجلا او اجلا سواء على صعيد الاداء الحكومي لحكومة تصريف الاعمال، او على مستوى الحراك الجماهيري الذي بدأ يضيق ذرعا بالانسداد السياسي في العملية السياسية، وفشل اطرافها في انتخاب السلطة التنفيذية بالرغم من التوافق السياسي بين الكتل الفائزة على السيد جعفر الصدر كمرشح لمنصب رئيس الوزراء القادم. ولكن قبل استشراف تداعيات قرار انسحاب الكتلة الصدرية لابد من الوقوف على حقيقة هذا القرار ومدى جديته.
يرى بعض المحللين ان انسحاب التيار الصدري هذا ليس انسحابا حقيقيا، وانما هي مناورة سياسية يسعى من خلالها التيار الى تحقيق اهدافه السياسية، فالتيار الصدري ما يزال متمسكا بأغلبيته، ويطالب باستحقاقه الانتخابي المتمثل بانفراده بتشكيل حكومة الاغلبية الحزبية، الا ان معاندة خصوم التيار من المكون الشيعي (الاطار التنسيقي) جعلته يتحول في اليات تحقيق هذا الهدف من الاغلبية البرلمانية الى الاغلبية الشعبية، بمعنى ان المستقبل القريب ربما سيشهد حراكا شعبيا تقوده الكتلة الصدرية المستقيلة وسيختفي مطلبه الرئيسي ( الانفراد بتشكيل حكومة الاغلبية ) وراء مطالبه المعلنة وهي تحسين الاوضاع المعيشية والخدمات، ليضمن خلالها استمالة العديد من الشرائح الاجتماعية المتضررة من الوضع الحالي لتشكل رصيدا اضافيا الى جمهور الكتلة الصدرية. وان ما يؤيد هذه الفرضية هو ان قرار الانسحاب هذا ليس جديدا على التيار الصدري فقد اتخذ السيد مقتدى الصدر اكثر من مرة قرارا بالانسحاب من العملية السياسية، بل واعتزالها الا انه سرعان ما عاد اليها مرة اخرى. وايضا ما يؤيد هذه الفرضية هو قرار تعطيل مؤسسات التيار الصدري التي تشكل ذراعه العسكري وهو القرار الذي يرى فيه البعض انه قرار يكشف عن مناورة التبري من العمليات العسكرية التي قد يقوم بها بعض افراده للمطالبة بمطلبهم الحقيقي.
ان هذه القراءة لقرار الانسحاب هي التي جعلت بعض النخب السياسية العراقية في خارج العراق تكثف من اتصالاتها مع قيادات في التيار الصدري تدعوهم الى الضغط على السيد مقتدى الصدر ليتراجع عن قراره، وهو حراك ليس من باب الحرص على مشاركة الكتلة الصدرية في العملية السياسية لأنها اصلا لم ولن تغادرها وإنها تتحمل جزءا من المسؤولية عن سوء الادارة والفشل السياسي والفساد الذي تعاني منه الدولة العراقية. بل هو حراك من باب مخاوفها من تداعيات هذا القرار على المشهد الامني في العراق لمعرفة هذه النخب بطبيعة تعامل التيار الصدري مع الازمات السياسية. مما جعل البعض يرى بان المشهد السياسي ربما يتجه نحو التصعيد الشعبي والذي ربما سينتهي الى المواجهات المسلحة وهي النهاية التي تشكل مصدر قلق للعديد من الدول الاقليمية والدولية خصوصا بعد الرسالة التي وجهتها الولايات المتحدة الامريكية الى دولتين خليجيتين تحذرهما من الانغماس في الوضع السياسي العراقي ودعم خيارات الصراع الشيعي ــ الشيعي بدعوى ان هذا الصراع ربما سيشكل رافعة للنفوذ الايراني في العراق وهو ما يتعارض مع التوجهات الامريكية والخليجية في المنطقة.
ربما سيزداد المشهد تعقيدا اذا ما اتجهت تداعيات هذا القرار الى تقديم حكومة تصريف الاعمال استقالتها وهو ما اشرنا اليه في المقال السابق في السيناريو الثالث والذي ينتهي الى اعادة تجربة الفوضى الخلاقة والتي قد تكون سببا في عودة المطالبة بحكومة انقاذ وطني، ودعوة الاطراف الدولية الى التدخل مرة اخرى في العراق في تكرار لمشهد التحول الذي شهده العراق بعد عام 2003.
ان تداعيات هذا السيناريو ربما لن تقف عند حدود المكون الشيعي، بل ربما ستشهد بعض المحافظات عودة التنظيمات الارهابية مرة اخرى خصوصا مع تصاعد عمليات هذه التنظيمات في الفترة الاخرى في العديد من المحافظات التي سيطرت عليها عام 2014.
واما على مستوى اقليم كوردستان فإنها ستكون فرصة ذهبية له في تحقيق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية التي تمنحه قوة اكبر على تمسكه بمطالبه الانفصالية خصوصا بعد نفوذ الاحتلال الصهيوني ــــ الداعم القوي لقرار الانفصال ـــــ في منطقة الخليج وتحوله من خصم الى شريك في العديد من الترتيبات السياسية والاقتصادية والامنية في المنطقة.
ختاما ان لهيب صيف العراق هذا العام قد لا يقف عند حدوده المناخية، بل سيمتد هذا اللهيب الى الشارع العراقي ليكون ساحة لبرلمان الناخبين، بعد ان كانت قبة البرلمان ساحة لبرلمان المنتخبين، وستكون المواجهات وفرض الارادات هي الوسيلة لتحقيق الاهداف بدلًا عن السجالات والحوارات، وان ما قبل الاستقالة هو عين ما بعدها وان تعدد الآليات لن يؤثر على وحدة الغايات.