18 ديسمبر، 2024 6:39 م

صدمة النخب
غالبا نخب الأفكار تفتقر للقدرة على إحداث التغيير بسبب الضغوط تسمح بان يمر الوهم على بنات أفكارها وهي تظن انه حلم واعد، فتجد مثلا يتوقع من احتلال دولة عظمى نقلا للتقنية وتفاهما مدنيا وتلاقحا حضاريا فكريا وبناء وارتقاء بالإنسان عند الطرفين؛ هذا الوهم يمرر التدني في الإنسانية والتخلف المدني إضافة إلى الانحدار الحضاري، ولم نسلم من هذا الوهم نتيجة سوء الفهم لطبيعة الحداثة وانه يأتيك لبرنامجه وليس لمعاناتك، ما يحصل فعلا صدمة لنخب البناء في واقع التفكيك لتكون في حالة سلبية من الموقف وهي تتحرك للبناء فتجد من يخذلها ويوقفها بل يحاربها عندما تظن أن العمل الصواب للمكافأة وليس العقاب لكن هذا امر معكوس واقعا فيسود الفساد
يريدونك مستهلكا وليس متمدنا
لا تأتي الدول العظمى لتعطيك نظام الحداثة فتنتج خبزك وتصنع سيارتك وطائرتك، بل لا تأتيك بمن له القدرة على أن ينميك لتفعل، لأنها أصلا تريدك سوقا، وتريدك متخلفا وضعيفا.
فكرة الإتيان بالإصلاح وهم المؤدلجين أيضا فيقاومون القيم القادمة كدون كيشوت فتنشأ مقاومة لما يظن مسبقا انه تحدي لقيم لا يفهمها القادم ولا يفهمها من يزعم الدفاع عنها، غير منتبه إلى انه يدافع عما يظنه في تلك القيم، فيحاول أن يسفه فكرة المدنية والحرية وغيرها مما يزعم القادم حمله، وهو بذلك يعطيه عذره، فلا طالب المؤدلج بحريته ولا هو أقامها، ولا هو اقتبس صناعة أو أي تطور مدني ولا هو أقامه، ولا فكر أن يحول السلبية إلى إيجابية بإجبار القادم على ربط مصالح مشتركة بطريقة تفيد من تطور وضعه المدني وانتقاله من القشرية إلى حالة افضل…. لكن بالتأكيد لا يحوم فوق النفايات نحل العسل.
فوضى التخلف
الغرب ومنذ تدخله المباشر قبل قرن من الزمان بأسلحته وجيوشه، لم يأت بنية البناء، وما أنشأه كان لتسهيل تنقله وتكوين طبقة تكنوقراط وظيفية وليست عميلة بالضرورة، فسعة المناطق التي وقعت تحت السيطرة حول العالم وتحت حكم الغرب بمفهومه المؤله للدولة والعرق لا يعامل الناس إلا بقدر استغلالهم، وحاجته إلى مدن يدير تلك البلاد بطريق هو يريدها ووفق مصلحته، فان برز بعد الاحتلال أو خروجه طبقات نشطة تبدع وتتوسع بالإبداع، فهنالك الحروب التي تصفر تلك البلاد وتقلمها تقليما جائرا ما لم تك تحت تمام سلطتها وتحلب ثروتها، ثم تسلم إلى الجهل فيعطّل نخب البناء.
فالجدل القائم داخل هذه البلدان هو جدل أناس صم بكم عمي فهم لا يرجعون، لا تفهم ولا تريد أن تفهم والنخب معجبة بنموذج في أذهانها وليس له واقع لا في الغرب ولا عند من أتى محتلا، فترى صراعا بين أناس تقليدين لا يفقهون ما يدافعون عنه، وبين أناس الوهم لا يفقهون ما يدعون له ولا ما يسفهون.

صراع الأوهام
هذه الناس التي تزعم اللبرالية والديمقراطية والشيوعية وكل أيدولوجيات الأرض، تتحدث عن أمنيات، تريد الإنصاف بمفهومه الذي يؤيدها لا الواقعي، كذلك من يظن انه يدافع عن القيم الأصيلة، لا يرى إلا من يوافق رايه، فأي نوع من الحوار المؤدي إلى تقدم بين أناس يتحركون فوق القشور من المعرفة وهم يظنون انهم يركضون فوق البحار بمعجزات التفوق بالفهم واحتقار المخالف لهم أو تخوينه أو تكفيره، أو اعتباره من العقبات وكل حسب فكره يفرض التهم والعقوبات؟ أنها بيئة منظومة تنمية التخلف.
إن النظام الغربي لم يقام دفعة واحدة وإنما هو نظام علمي تجريبي مازال يحتاج إلى تحديث وربما إلى تصفير مشاكله، ولا يمكن أن ينقل جزئيا كتجربة قانونية أو صيغة جزئية من نظام سياسي أو اقتصادي لأنه سياتي بلا آليات ديمومة وتطور وقابلية على حياة؛ بل سيكون مشوها رهيبا مسخا على الجمهور.
ذات الحال عندما يأتيك الطرف الآخر متحركا بالعواطف أو غريزة التدين أو السيادة وهو يدعو إلى نظام هو لا يفهمه ويريد أن يعيده اسما بلا آليات ولا فهم ولا تصور أصلا للمتغيرات والتعاظم المدني ولا يدرك أن ما يدعو إليه قالب مثل غيره من الأيدولوجيات المستوردة، ولا فرق في هذا أكثر من استدرار العواطف ليجدوا نظاما ليس له من الثقة إلا الاسم.