18 ديسمبر، 2024 6:53 م

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٠٤

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٠٤

[email protected]
قُل آمَنّا بِاللهِ وَما أُنزِلَ عَلَينا وَما أُنزِلَ عَلى إبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطِ وَما أوتِيَ موسى وَعيسى وَالنَّبِيّونَ مِن رَّبِّهِم لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّنهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ (٨٤)

هنا تذكر كتب مفترضة قد أنزلها الله على من ذكرتهم الآية، وإذا أخبرنا بأن التوراة أنزلت على موسى والإنجيل أنزل على عيسى، فلا ندري ما هي الكتب التي أنزلت على إبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ، ولا ندري هل أنزل كتاب واحد على الأَسباطِ كلهم أم أنزل اثنا عشر كتابا على الاثني عشر سبطا، ثم أي النبيين أنزلت عليهم كتب كذلك، وما هي هذه الكتب. مع العلم أننا علمنا أن الإسلام يميز بين النبي غير الرسول وبين النبي الرسول، وبأن الرسول وحده الذي يوحى إليه كتاب. لكن الآية تفترض وجود كمّ من الكتب الأخرى، التي لم نعرف لا اسم أي منها، ولا عددها، ولم يصل أي منها إلى أي إنسان، مع العلم إن البشرية عثرت على مخطوطات لحضارات ما قبل الأديان في وادي الرافدين ووادي النيل وغيرهما من البلدان التي اكتشفت فيها حضارات وآثار ومخطوطات، ولم نجد فيها شيئا لا عن إبراهيم ولا عن موسى ولا عن يعقوب ولا عن يوسف ولا عن داوود وسليمان، ولا غيرهم. لماذ لم يحفظ لنا الله أيا من هذه الكتب حتى تكون حجة علينا قبل أن يدخلنا نار جهنم خالدين فيها أبدا؟

وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ (٨٥)

وهذه الآية تنقض بكل وضوح قول القرآن «إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالنَّصارى وَالصابِئين مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ»، ومثيلاتها، وسنتناولها عند المرور عليها. أما ادعاء البعض بأن كلمة الإسلام هنا لا تعني الدين الذي جاء به محمد، بل بمعنى أن يُسلِمَ الإنسان لله، فهو تفسير ضعيف لا يعول عليه، ويخالف أمهات التفاسير المعترف بها، بل ويخالف السياق.

كَيفَ يَهدِي اللهُ قَومًا كَفَروا بَعدَ إيمانِهِم وَشَهِدوا أَنَّ الرَّسولَ حَقٌّ وَّجاءَهُمُ البَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ (٨٦)

هنا يجري الكلام عن أشخاص اقتنعوا في البداية بدعوى نبوة محمد، ثم أعادوا النظر لما وجدوا ما جعل الشكوك تنتابهم من جديد. ربما شهدوا بأن بعض ما طرحه النبي الجديد مما وجدوه مطابقا لما في كتبهم، ثم عندما وجدوا في طروحات أخرى له ما يناقض ثوابت دينهم، أنكروا نبوته من جديد، فهم أيضا كما المسلمون لا يرون الحق والحقيقة والصواب إلا فيما وجدوه في كتبهم، من غير استعداد لإعادة النظر في ثوابت دينهم، أو في أصل أن دينهم أو عموم الدين حق. إذن الذي لا يؤمن فهو كما مر فاسق أو كما هنا ظالم أو كما في آيات أخرى كافر، وسواء كان ظالما أو فاسقا أو كافرا، فمصيره نار جهنم خالدا فيها أبدا، كما تؤكده الآية اللاحقة وعدد كبير من آيات هذا القرآن.

أُلائِكَ جَزاؤُهُم أَنَّ عَلَيهِم لَعنَةَ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجمَعينَ (٨٧) خالِدينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنظَرونَ (٨٨)

اللعنة هي انتفاء الرحمة بالمطلق، فلعنة الله عليهم، تعني سلبه إياهم رحمته كليا، مما يعني النقمة والغضب والعذاب الشديد الدائم، أما لعنة الملائكة والناس أجمعين، فتعني دعاؤهم على الملعونين بحلول لعنة الله عليهم. لماذا كل هذا يا ترى؟ فقط لأنهم لم يقتنعوا بدين محمد، وكلنا يعلم إن قدرة الإنسان على الاقتناع بأمر ما أو عدم قدرته بالاقتناع به أمر غير اختياري، والله العليم بكل شيء يجب أن يعلم أنه أمر غير اختياري، وتعذيبه لإنسان لما هو غير اختياري خلاف العدل، فكيف يقول قرآن محمد من جهة إن الله لا يظلم مثقال ذرة، مما يتفق مع الضرورات العقلية، وينسب إليه كل هذا الظلم من جهة أخرى؟ لا يمكن أن يكون جواب على هذا السؤال مقنعا غير كون هذا القرآن يمتنع أن يكون كتاب الله امتناعا كليا.

إِلَّا الَّذينَ تابوا مِن بَعدِ ذالِكَ وَأَصلَحوا فَإِنَّ الله غَفورٌ رَّحيمٌ (٨٩)

التوبة والإصلاح يعنيان تسليمهم بصدق دعوى أن الإسلام دين الله والقرآن كتاب الله ومحمدا رسول الله؛ عندها فقط تنالهم مغفرة الله ورحمته، فيا للرحمة.

إِنَّ الَّذينَ كَفَروا بَعدَ إيمانهِم ثُمَّ ازدادوا كُفرًا لَّن تُقبَلَ تَوبَتُهُم وَأُلائِكَ هُمُ الضّالّونَ (٩٠) إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَماتوا وَهُم كُفّارٌ فَلَن يُّقبَلَ مِن أَحَدِهِم مِّلءُ الأَرضِ ذَهَبًا وَّلَوِ افتَدى بِهِ أُلائِكَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ وَّما لَهُم مِّن نّاصِرينَ (٩١)

كم من الناس يقتنع في مرحلة من حياته بدين أو عقيدة ما، ثم تستجد لديه في مرحلة أخرى قناعة مغايرة، فهل يعاقب الرب الرحيم على القناعات؟ وما ذنب الإنسان عندما تتكون لديه قناعة أو قناعة مضادة، سواء أصاب أم أخطأ، والمخطئ لا يخطئ عن عمد، فليس من إنسان عاقل يريد لنفسه أن يقع في الخطأ، خاصة إذا علم إن ما يترتب على الخطأ هو غضب الله عليه وتعذيبه له إلى أبد الآبدين.