23 ديسمبر، 2024 3:52 م

إنسانية الفتوى وتطبيقاتها

إنسانية الفتوى وتطبيقاتها

رجل من الديوانية، وربما عائلته بحاجة لجهده وعمله اليومي، إلاّ أنه ترك مدينته خلفه وجمع ما جمعه من مواد غذائية وإغاثية ليتوجه الى الموصل، حيث النازحين والعوائل في العراء، بلا ماء ولا كهرباء ولا حياة كريمة، أراد أن يُطيح بكل الأكاذيب والأقاويل ويعبر عن الإنسانية بمعناها الحقيقي، ويمتثل لفتوى الجهاد التي تواصل في حلقات، الى طلب المرجعية من كل العراقيين تقديم كل ما يستطيعون لإغاثة النازحين.
ذهب وفي قلبه إماني؛ منها تحرير الأرض من الإرهاب، وأن يرسم الإبتسامة على شفاه الأطفال والنساء والشيوخ ويُعيد لهم الطمئنية، ويرى أبنه الذي يقاتل هناك.
تحققت أمنيته بجمع المعونات، وذهب ومعه قوافل المساعدات، كان مستعجلاً على يرى فرحة العوائل وسد رمقهم، ويرى أبنه كيف يحمي الأعراض، وبالفعل إلتقاه ولكن شهيد بسيارة إسعاف، وبذلك شعر أنه حقق غاية التفاني والمصداقية وفي أشد مراحل الإختبار، لكنه أستمر بإيصال المساعدات؛ لإطفال لا يستطيعون الإنتظار؛ لكي يسمع زغاريد نساء المخيمات، ثم يعود ليزف الشهيد.
هي قصة من بين آلاف القصة، ووقائع فاقت الأساطير وقصص الخيال وتبجح العالم بالإنسانية، وتجاوزت بالسمو الى أعلى معاني حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، هي واحدة سيسجلها التاريخ بمدارس الأخلاق والكرم والإباء والشهامة والعزة والوطنية، هي قصص تسابق أبطالها على تسجيل وقائعها بدمائهم وعلى حساب حياة أطفالهم؛ تركوا فيها قفصهم الزوجي، أو من تركوا عوائلهم في بيوت صفيح، وهم لا يرجون مال ولا تعيين حكومي أو مكسب حزبي، ومنهم إمتدت صور بطولية للشهيدة أمية آل جبارة، وتلك المرأة التي آوت 25 مقاتل من الجنوب لتحميهم من داعش.
إن دخول الفتوى عامها الثالث دون أن تشهد تراجع أو تلكأ أو خمود مشاعر جياشة، ووالتسابق مستمر نحو الموت من أجل إنقاذ العراق والإنسانية والعالم، من شرذمة منحطة، فهذا دليل على عمق مفاهيمها وإمتداد معانيها الإنسانية والأخلاقية، ولولا تلك الفتوى العظيمة؛ لكان داعش اليوم يعيث في كل بقاع العالم فساداً، ولأصبح الرجال عبيد أن لم يكونوا مقطوعي الرؤوس، والنساء بضاعة يُتاجر بها.
أبن الديوانية وكسائر المقاتلين المتطوعين، لم يأملوا العودة، إلاّ محررين أو شهداء، ومن الآباء إستمدوا العزيمة المستندة الى فتوى عظيمة.
بمجرد أن إنطلقت الفتوى، وإذا بالحناجر تهتف والرجال تتدافع، وكل يشارك بما يستطيع، وهذا الرجل من الديوانية، حقق أحلامه والأرض تتحرر وغداً سيطرد الغزاة المنحرفين، وسترسم الفرحة على شفاه الأطفال والنساء والشيوخ، وقابل أبنه في أعلى درجات السمو والبطولة، وأفخر مراتب الشرف التي رباه عليها، وقدم درس كبير في الإنسانية والأخلاق، وجاد بأعز ما يملك، ولولاه ومن سواه من الأبطال، لما كان للإنسانية والقيم والحضارات شيء يذكر، وعلم الأجيال على درس كبير إنطلق بلسان المرجعية وقرارها بفتوى الجهاد الكفائي، التي حملت في طياتها أسمى معاني الإنسانية، نعم هي الإنسانية أن تترك عائلتك جائعة وتقدم طعامك لملهوف، نعم أنها قمة الأخلاق والبطولة، عندما يستشهد المقاتل من أجل إنقاذ طفل، وقمة الكرم حينما تجود بالنفس، وما أكبر إنسانية كرماء الأنفس.