18 ديسمبر، 2024 5:08 م

إنخفاض أسعار الوعود

إنخفاض أسعار الوعود

قال تعالى:”كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون”
الانسان أفضل خلق الله، ميزه بثلاث، عقل راجح، و قلب بصير، ولسان فصيح؛ جعلته حاملاً للأمانة، و خليفة الله في أرضه، عرفاناً بما أنعم ربه عليه، و ثقةً بنفسه كمخلوق متميز، فبنى عليها حضارته، و فرض عليها سيطرته.
تحمّل هذه الأمانة، كان تطوعياً من قبل الإنسان، و الذي رغم مدلولاته الإيجابية الكثيرة، يدل على أمر مهم، وهو أن الإنسان استسهل إعطاء الوعود، و إلزام نفسه ما لا يطيقه أحياناً، فلا فعل أسهل من الكلام، ولا بضاعة بائرة أكثر من اعطاء الوعود، فهي كما نصطلح بلغتنا الدارجة ( بلاش)!
بيع ال(بلاش) أصبح سمة ملازمة للسياسي العراقي، بل أغلبهم لا يتعب نفسه، بتغيير نوع بضاعته، فيكرر نفس الكلام، مقتنعاً أن المتلقي، سيصدقه في كل مرة؛ فيصدع رؤوسنا بتنظيراته عن تصحيح المسار، و محاربة الفساد، ودفع عجلة التقدم، وغير ذلك من الكلام المتكرر، الذي نكاد أن نردده معه، لكثرة ما سمعناه سابقاً.
أحد أهم رواد التنظير، في عراق مابعد البعث، الدكتور عادل عبد المهدي، فمن متابعة آراءه، خصوصاً ما ينشره في افتتاحية صحيفته، تكونت عندي ثقة، أنه المناسب لإنقاذنا، من بركة الفساد التي سقطنا فيها؛ خصوصاً عندما شاهدنا، نجاحاته النسبية، في الحقائب الوزارية، التي تكلف بها خلال الفترة السابقة؛ و كيف كان غير مهتم بالمنصب، بل كل همه العمل، و كما كان يقول ( استقالتي في جيب سترتي) اذا لم يجد من يؤيد طريقته.
الله سبحانه وتعالى، لا يخرج البشر من الدنيا، حتى يمتحنهم ويمحِّصهم، كي لا يكون لهم عذر، يوم الحساب؛ كذلك فعل مع الدكتور عادل، حين وفقه لرئاسة مجلس الوزراء، كي يطبق أفكاره من موقع أعلى، وبصلاحيات أوسع؛ فتفاءلت غالبية الشعب العراقي، وتوقعت منه الكثير، في زمن قياسي.
المفاجأة كانت، أنه لم يكن فاشلاً،كسابقيه فحسب، بل بيض وجوههم، و حسن صورتهم، وجعلنا نذكر أيامهم بخير، بسبب فشله المخزي، في جميع المجالات؛ فلا هو استطاع أن (ينكش) وكر الفساد، ولا هو نفذ شيء بسيط من خططه، لتطوير البنى التحتية، ولا هو سيطر على الأمن، و حجّم من هيمنة الفصائل المسلحة، و لا كان له رأي واضح، في ما يدور داخل البلاد وخارجها، من أحداث شغلت تفكير العالم، من السياسيين إلى الصبية في الشارع!
اذا كانت هناك إنجازات، لكنها تحتاج لوقت، كما قال سابقه( متوالية هندسية)، فإن أكثر من سنة، وقت كافي لنلاحظ، شيء ملموس منها؛ أما إذا كانت، ضغوطات حيتان الفساد، أكبر من أن يتغلب عليها، حتى من موقعه كأعلى سلطة تنفيذية، فليخرج ورقته من جيب سترته، ويقدم استقالته بوجه أبيض، يحفظ له سمعته السابقة، و يُكتب في التاريخ، أنه حاول أن يغير شيئاً.
واقعا ، لايبدو أن بقاءه، بسبب تشبثه بالمنصب، فقد عرف عنه الزهد به، ولا سعياً للنجاح، لأن مالم يحصل الآن، لن يحصل غداً، ولا خوفاً من تسقيط أو تهديدات، لأنه الشجاع المعارض، على مر السنين؛ فالموضوع-أغلب الظن- أكثر بساطة، أنه قد باع سترته القديمة، في ( سوق البالة) ونسي ورقة استقالته فيها.