نحن على اعتاب انتهاء الدورة البرلمانية التي منحت الثقة لوزارة السيد السوداني وبرنامجها لابد من التوقف أمام إنجازاتها في مجال تشريع القوانين، فقد ألزمت الوزارة نفسها بعدد من المهام التشريعية من خلال المنهاج الوزاري، وفي هذه المقالة نتوقف امام الإنجازات المتحققة في مجال التشريع والتي تضمنتها المادة الثالثة والعشرين من المنهاج تحت عنوان: التشريعات والإصلاحات السياسية:
سلطة الوزارة في تشريع القوانين
من المعلوم يقتصر دور الوزارة في مجال التشريع بإعداد مشروعات القوانين وتقديمها الى مجلس النواب وحسب أولويات منهاجها الوزاري، وعلى مجلس النواب الاضطلاع بالإجراءات المترتبة لاستكمال تشريعها.
وإن التقييم في هذا المجال يكمن عند إعداد مشروعات القوانين وتقديمها الى مجلس النواب، وفي العديد من الدول تواكب الوزارة إجراءات التشريع خطوة بخطوة من اجل المشاركة بالتعديل على ضوء الملاحظات والانتقادات المقدمة وكذلك العمل من اجل ضمان التصويت على المشروع من خلال توظيف كل إمكانيات الوزارة، لان إقرار القانون وتنفيذه يصب في مصلحة الوزارة.
وعلى ضوء ذلك نستعرض مشروعات القوانين الواردة في المنهاج الوزاري والتحقق من مدى الالتزام بذلك.
اولاً: مشروع تعديل قانون انتخابات مجلس النواب.
تقدمت لجنتي القانونية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بأقاليم مقترح التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 ولغرض اجراء انتخابات حرة نزيهة وعادلة لمجلس النواب العراقي ومجالس المحافظات غير المنتظمة في أقاليم. وتم التصويت على التعديل بتاريخ 27/3/2023، والذي على ضوئه أجريت انتخابات مجالس المحافظات، ولم تجر انتخابات مجلس النواب المبكرة لعدم اتفاق الكتل البرلمانية، وبذلك لم تقدم الوزارة المسودة المطلوبة الى مجلس النواب وتم الاستعاضة عنها مقترح من لجان المجلس نفسه.
ثانيا: مشروع قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للقطاع الخاص.
تم إقرار القانون بتاريخ 17/5/2023 والذي يهدف لشمول أوسع للعاملين في القطاعات الثلاثة (الخاص والمختلط والتعاوني)، وكل شخص مشمول بقانون العمل الذين يمضون سنوات اعمارهم في العمل دون أي ضمان حقيقي يضمن حياة كريمة لهم ولأسرهم. وصدور هذا القانون تأكيدا للمبادئ التي نص عليها الدستور، واستجابة لتطورات المرحلة الحالية، ومواجهة الأزمات الاجتماعية وتماشيا مع دعوة منظمة العمل الدولية بتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية، ولشمول فئات أوسع من شرائح المجتمع العراقي بالضمان الاجتماعي للعمال.
ثالثا: مشروع قانون الخدمة المدنية.
وهو من مشروعات القوانين التي تعهدت بها حكومة السيد السوداني بتقديمها لمجلس النواب لغرض التشريع، بالفعل تم تقديم المشروع وتمت قراءته الأولى بتاريخ 6/11/2022 وبعد اقل من عشر أيام تم سحبه، لان النسخة التي تم تقديمها كانت في ادراج المكاتب الحكومية منذ 2015 دون اجراء أي متابعة لها وتعديلها بما يتلاءم مع ما جرى من تطورات، حيث قُدمت الكثير من الانتقادات حول النسخة التي عُرضت الى مجلس النواب. وهذا يشكل اخفاق على الحكومة عندما تعهدت بإدراج مشروع قانون كان في طي النسيان وتقديمه الى مجلس النواب دون مراجعة حقيقة على النسخة الاصلية من خلال عرضها على الجهات المختصة والمنظمات المعنية بهذا القانون وهو يرتبط بمصالح الملايين من أبناء الشعب.
رابعا: مشروع قانون النفط والغاز.
لن تفي الوزارة بتعهداتها في هذا المجال، حيث لم تقدم أي مسودة لمشروع قانون الى مجلس النواب رغم الحاجة الماسة لذلك، واذا ما تم إقرار هذا القانون سوف يغنينا عن الإشكاليات القائمة عند إقرار الموازنة السنوية وينظم العلاقة مع إقليم كوردستان حيث دائما المشكلة تثار عند احتساب الواردات النفطية المتأتية من المحافظات وإقليم كوردستان.
وان عدم تقديم الوزارة مشروع قانون النفط والغاز يرجع إلى عدد من الأسباب: الخلافات السياسية، التحديات القانونية، المصالح المتضاربة والتأثيرات الخارجية. يتطلب حل هذه المشكلات إرادة سياسية قوية من قبل الوزارة حيث هي السلطة التنفيذية في الدولة من خلال الحوار بين جميع الأطراف للوصول إلى اتفاق يحقق مصلحة الشعب العراقي ويضمن إدارة مستدامة وعادلة للموارد الوطنية.
خامسا: مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
قدم مجلس الوزراء صيغة مسودة مشروع قانون الشراكة الى مجلس النواب وتمت قراءته الأولى بتاريخ 10/10/2022 ومن الجدير بالذكر تمت قراءة هذه المسودة مرتين في الدورة السابقة لمجلس النواب وأخفق في تشريعه، حيث عقدت من اجله العديد من الجلسات والورش.
عدم تشريع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص حتى الان يعكس مجموعة من العوامل ومن اجل تجاوزها يتطلب إرادة سياسية قوية يكون للوزارة دور وتأثير كبيرين، وكذلك حوارًا وطنيًا شاملاً بين الأطراف المختلفة، وتعزيز الثقة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى توفير بيئة تشريعية وتنظيمية واضحة وشفافة تحفز الاستثمار وتضمن حقوق الجميع.
سادسا: مشروع قانون مجلس الاتحاد.
ان هذا القانون يمثل أحد العناصر الأساسية لاستكمال بناء النظام الدستوري في العراق، وهو الذي ينظم العلاقة بين السلطات الاتحادية والأقاليم والمحافظات، وتحقيق التوازن بين مكونات الدولة في عملية صنع القرار. يُعد هذا القانون مكملًا لمجلس النواب، كما نص عليه الدستور العراقي لعام 2005 في المادة (65).
وان عدم تشريع قانون المجلس الاتحادي في العراق حتى الآن يعكس وجود تحديات متعددة ترتبط بالجوانب السياسية، الدستورية والقانونية، فضلاً عن العوامل المتعلقة بالخلافات بين الأطراف المختلفة داخل النظام السياسي العراقي.
وقد أخفقت وزارة السيد السوداني بتحريك الأجواء لغرض تقديم نص مسودة لهذا القانون الى مجلس النواب، رغم وجوده ضمن المنهاج الوزاري في سلة القوانين المزمع تشريعها.
سابعا: إعداد مشاريع قوانين لعقد اتفاقيات استراتيجية اقتصادية وتنموية مع الدول المتقدمة في العالم.
في هذا المجال لم تقدم الوزارة أي مشاريع قوانين بهذا الصدد.
الاستنتاجات
من خلال هذا الاستعراض ان الوزارة تعهدت بتقديم سبعة مشروعات قوانين، لكنها عمليا لم تقدم سوى مشروعين وهما مشروع قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للقطاع الخاص الذي تم تشريعه ومشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي سحبته الوزارة بعد اقل من عشرة أيام من قراءته. ولم تقدم أي مشروع قانون في المجالات المتبقية رغم أهميتها الكبيرة للبلاد والوزارة نفسها.
ويتضح من كل ذلك انه هناك اخفاق واضح للوزارة في مجال التشريعات، وندعو الوزارة اغتنام الفترة القادمة للتعويض عن ذلك بتقديم عدد من المشروعات التي تعهدت بها.
د. علي مهدي