19 ديسمبر، 2024 6:24 ص

إنتشار الديانة اليهودية في كردستان

إنتشار الديانة اليهودية في كردستان

فرست مرعي الديانة اليهودية ديانة توحيد في محيط وثني، وكانت تكتسب هويتها من هذا التمايز الواضح والبسيط ، أما في العصر الاسلامي وفي العصور الوسطى الغربية ، فقد اختلف الأمر تماماً، إذ وجدت اليهودية نفسها في محيط توحيدي إسلامي أو شبه توحيدي مسيحي أدى إلى انطماس معالمها، ولذلك حاول علماء اليهود أن يخلقوا فجوة بين اليهود وأعضاء الديانات السماوية الأخرى.
وكان كتابهم المثير للجدل (التلمود) هو ثمرة تلك المحاولة، خلال هذه الفترة ظهر تعريف الشريعة (=هالاخاه) للهوية اليهودية، فعرف اليهودي بأنه من ولد لأم يهودية أو من تهوّد.
وقد ساد هذا التعريف منذ ظهور اليهودية الحاخامية مع بدايات العصور الوسطى وإلى بداية القرن التاسع عشر، وهو تعريف ديني إثني (عرقي) حيث أدى إلى ظهور إشكالية أساسية تتعلق بالجانب القومي أو العرقي، حيث يتضمن أن من يولد لأم يهودية يظل يهودياً حتى ولم لو لم يمارس تعاليم الدين اليهودي، فهو يهودي بالمعنى العرقي.
أما اليهودي المتهوّد، فكان عليه أن يقوم بتنفيذ جميع الأوامر والنواهي، أي بعبارة أخرى يجب أن يكون يهودياً بالمعنى الديني، لكن هذه الإشكالية كانت هي الأخرى في حالة كمون (= سكون) لأن عدد الذين يتهوّدون أي يدخلون إلى اليهودية كان قليلاً إلى حدٍ كبير، فضلاً أن الترابط كان من المتانة بحيث أن أي يهودي يترك دينه كان عليه أن يتبنى ديناً آخر ويندمج في المجتمع الخارجي وينصهر فيه تماماً، الأمر الذي يحل الإشكالية.
وكان الفيلسوف الهولندي (باروخ اسبينوزا1632-1677م) أول يهودي يترك الدين اليهودي ولا يتبنى ديناً آخر، أي إنه كان أول يهودي إثني علماني.
أما التعريف الصهيوني اليهودي فهو إعتبار اليهودي كعنصر عرقي متميز. فهم يتحدثون عن (الجنس اليهودي) وعن اليهود باعتبارهم جنساً متميزاً، وقد عرّف كثير من الزعماء الصهاينة، اليهودية: بأنها (مسألة تتعلق بالدم)؛ وتأسيساً على ما تقدم يرى مفكروا الصهيونية اليهودية بأن التزاوج بالأجانب سيؤدي إلى تدهور العرق اليهودي وأنه لا بد من تأسيس وطن قومي ودولة مستقلة يعبر فيها عن عبقريته، ولكن تم التخلي عن هذا التعريف بسبب لا علمية النظريات العرقية وعدم قبوليتها في الغرب خصوصاً بعد أن استطاع الزعيم الألماني هتلر عن طريق هذه النظريات إقامة جينوسايدات لليهود في ألمانيا وغيرها من الدول الأوربية التي وقعت تحت سيطرته.
لذا رأى فريق من الصهاينة أن اليهود جماعة مترابطة ذات تاريخ مشترك منفصل ومحدد، وأن ثمة روابط تراثية (وليست عرقية) فريدة بقيت على مدى قرابة أربعة آلاف سنة بين اليهود.
كما أن أصحاب الاتجاه الديني عرّفوا اليهودي على أساس أن هوية اليهود القومية مصدرها الدين، إذ لا يمكن التفرقة بين القومية اليهودية والعقيدة اليهودية.
ومن جانب آخر فإن الدراسات والأبحاث المتعلقة باليهود الكرد قليلة، و الدراسات التي ظهرت الى عالم الوجود تتعلق غالبيتها بالدراسات الوصفية و السياسية و الاجتماعية، ماعدا الدراسة الاثنولوجية القيمة التي قام بها الباحث اليهودي الالماني(اريك براور) و اكمله الباحث الانثروبولوجي اليهودي الامريكي(رافائيل باتاي) حول يهود كوردستان و الصادرة عن دار ئاراس في اربيل بعنوان (يهود كردستان).
دراسة (إريك براور) ومن بعده اضافات (رافائيل باتاي) لم تتطرق في حقيقة الامر الى كيفية انتقال اليهود الاسري من فلسطين الى كوردستان على يد الاشوريين، و انما كان جل اعتمادها في المجال التاريخي على دراسات الرحالة اليهود الذين جابوا كردستان طولاً و عرضاً و كان همهم الاكبر البحث عن الاسباط اليهودية العشرة (الاسطورية) المفقودة، لذا بدأ بحثه ابتداءً من القرن الثاني عشر الميلادي عندما قام الرحالة اليهودي (بنيامين بن بونة التطيلي الاندلسي) برحلته الى كوردستان سنة 1171م لذلك فان اكثر من1500 سنة من تاريخ اليهود الكورد مازالت غامضة و بحاجة الى ابحاث و دراسات معمقة تزيل الغموض عن هذا التاريخ الطويل. و لا اظن ان دائرة المعارف اليهودية (= الانسكلوبيديا اليهودية) استطاعت ان تميط اللثام عن هذا التاريخ المجهول الى حد كبير.
إن أقدم وجود لليهود في العراق عامة وإقليم كردستان خاصة، يرجع دون شك إلى عهد الإمبراطورية الآشورية الحديثة الذي دام ثلاثة قرون كاملة من سنة 911 لغاية 612ق.م، وذلك حين حرر الآشوريون فلسطين من اليهود في عدة حملات عسكرية منظمة قاموا بها ضد الممالك الإسرائيلية المغتصبة لأرض فلسطين، تمكنوا خلالها من جلب عدة ألاف من اليهود كأسرى، وتم إسكانهم في أراضي نهر الخابور والبليخ وحران شمال سوريا وفي بلاد ميديا (= كردستان وايران).
وقد عاش هؤلاء اليهود مع جيرانهم الكرد لحقبة طويلة استمرت الى حين هجرتهم الى الدولة العبرية في سنوات 1949-1951م عقب قيام دولة اسرائيل في 15 ايار/ مايو عام1948م، واسقاط الحكومة الملكية العراقية الجنسية العراقية عنهم، حيث استفادت الدولة العبرية من خبرة اليهود الكرد في الزراعة نظراً لتمكنهم واستطاعتهم إنشاء مزارع وبساتين غاية في الجودة، ومزرعة سندور الواقعة شمال مدينة دهوك أبرز مثال على ذلك حيث كان نوري سعيد باشا رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي يتباهى بها أمام زواره.
تقول الرواية الاسرائيلية بأن الملك داود)1004-963ق.م) قد أسس مدينة داود( = اوروسالم- يروشالايم – أورشليم – القدس) سنة 1000ق.م، بعدها خلفه في قيادة المملكة الاسرائيلية ابنه الملك سليمان(963-923ق.م)، وهم أنبياء من وجهة نظر الاسلام.
وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري والسياسي والنفوذ الخارجي، فعند وفاة نبي الله سليمان اجتمع ممثلو قبائل بني إسرائيل الأثنتي عشرة في شكيم (قرب نابلس) لمبايعة (رحبعام بن سليمان)، ولكن ممثلي عشر قبائل اتفقوا على عدم مبايعته لأنه لم يعدهم – حسب الروايات – بتخفيف الضرائب، وانتخبوا بدلاً منه (يربعام) من قبيلة أفرايم ملكاً وأطلقوا اسم (إسرائيل) على مملكتهم وعاصمتهم شكيم (ثم ترزة ثم السامرة)، أما قبيلتا يهوذا وبنيامين فقد حافظتا على ولائهما ل(رحبعام بن سليمان ) وكونتا تحت حكمه مملكة (يهودا) وعاصمتها أورشليم (=القدس). أما مملكة (إسرائيل) فقد استمرت خلال الفترة 923 – 721 ق.م، وقد سمتها دائرة المعارف البريطانية ازدراء (المملكة الذيلية).
كان )عمري(أشهر ملوك مملكة إسرائيل 885 –874 ق.م بنى مدينة السامرة وجعلها عاصمته، أما خليفته (آخاب 874-852 ق.م) فقد سمح لزوجته (إيزابل) بنت ملك صيدا وصور بفرض عبادة الإله الفينيقي (بعل) مما أدى إلى ثورة قام بها أحد الضباط واسمه (ياهو) أطاحت بآخاب وأعاد عبادة (يهوه).
وفي عهد (يربعام الثاني 785-74ق.م ) وهو الثالث من سلالة (ياهو) توسعت مملكته شمالاً على حساب الأراميين، لكن ذلك لم يستمر طويلاً إذ أدى ظهور الملك الآشوري (تجلات بلاسر الثالث 745-727 ق.م) إلى الحد من هذا التوسع، وقام خليفته (شلمنصر الخامس724-722ق.م)، ومن بعده (سرجون الثاني722-705ق.م) بتأديب (هوشع) آخر ملوك ( مملكة إسرائيل) وقضى على دولته سنة 721- 722 ق.م، وقام الآشوريون بنقل سكان إسرائيل إلى منطقة حران ونهري الخابور والبليخ في شمال سوريا وبلاد ميديا (= كردستان وايران) وأحلوا مكانهم جماعات من الآراميين، ويظهر أن المنفيين الإسرائيليين اندمجوا تماماً في الشعوب المجاورة لهم في المنفى فلم يبق بعد ذلك أثر للأسباط العشرة من بني إسرائيل.
وفي موضوع بحثنا؛ تمكن الآشوريون من القضاء على مملكة إسرائيل (= المملكة الشمالية) نهائياً، ومن تحطيم مملكة يهودا(= المملكة الجنوبية)، وجعلها فريسة سهلة لإسلافهم البابليين حينما قضوا عليها نهائياً سنة 586ق.م في عهد عائلها الملك (نبوخذنصر بن نبوبلاصر 605-563ق.م) الذي قتل ايضاً اولاد ملك يهودا (صدقيا 598-587ق.م) أمام عينيه ثم سمل عينيه، بعدها دمر الهيكل (= المعبد – مسجد سليمان) وخرب أسوار المدين، وساق الاسرى اليهود الى بلاد بابل، وقدر عدد الذين جيء بهم بأكثر من خمسين الف في وقت ذهب قسم منهم الى مصر وسكنوا في جزيرة الفنتاين(= جزيرة الانس في جنوب مصر)؛ لذلك ما أن سقطت بغداد بيد المحتل الامريكي في شهر نيسان/ ابريل عام 2003م، حتى سجد حاخامات إسرائيل شكراً لإلههم(يهوه) على سقوط بابل(= عاصمة العراق زمن السبي البابلي)؛ أي بعبارة أخرى إن العراقيين القدماء من الآشوريين والكلدانيين البابليين هم من اسقطوا الممالك الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى، وحرروا بلاد كنعان(= فلسطين) من المملكتين الإسرائيليتين (=العبرانيتين).
وفي اعتقاد الباحث أن إحدى أسباب الحرب على العراق واحتلاله وتدميره هو الانتقام منهم بسب قيام أسلافهم بالقضاء على الدويلات العبرانية، بالإضافة إلى أسباب أخرى لا مجال لذكرها في هذه العجالة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات