كان سقوط تمثال طاغية بغداد المخلوع، وسط العاصمة بغداد في ٢٠٠٣، حدثا دراميا له رمزيته في الذاكرة العراق، لكنه خلق فجوة، أحدثت صدمة في عقلية الشارع العراقي، الذي كان مقيد بسلاسل مظلمة قبل إسقاط الدكتاتورية، ليتفاجئ بأنفتاح مطلق على العالم الخارجي بنظام ديمقراطي..
هذا النظام الذي وضعت أساسه الولايات المتحدة في قلب الشرق الأوسط (العراق) لم يعجب جيراننا، كونهم يحكمون بأنظمة ملكية وأميرية وأخرى دكتاتورية، لذلك أصبح هذا النظام الجديد عدوهم الأول، فكان لابد لهم أن يعملوا على إفشاله..
هذا النظام الجديد كان يتكون بالأساس من ثلاث ركائز.. الشراكة السياسية بين كافة الطوائف، الإستقلالية في القرار وآخرها التنمية الإقتصادية للنهوض بالشعب من الطبقة الفقيرة إلى المتوسطة وصولا للرفاهية، وعندما يكون هناك عدو لابد أن يكون هناك صديق ولو ظاهرياً.. هذا ما جعل الشارع العراقي ساحة للتدافع بين الأطراف المتخاصمة..
حكومة الإنقاذ الوطني التي تأسست بعد ٢٠٠٤ للذهاب بالدولة والشعب، إلى أنتخابات من شأنها أضفاء الشرعية على الحكومة القادمة، والعملية السياسية برمتها، لذلك كل من رشح وفاز كان يواعد الجمهور بأنه سيجعل بغداد باريس الشرق، لكن بعد ٢٠١٨ تفاجئ الجمهور أن العراق أصبح أفغانستان الشرق، أو بالأحرى هذا ما صوره الإعلام للعقل الباطن العراقي..
هذا الشيء متوقع لأن الصوت الإنتخابي هو المحدد لما نكون، و الشعب الذي يعطي 103 مقعد لقوى السلاح, لا يمكن له أن يتوقع أنه سيستيقض في الصباح على معزوفات بتهوفن بدل صوت الرصاص؟! ولا يمكن له أن يجد مستشفى خمسة نجوم بدل مشفى “أبن الخطيب،” المحترق.. فما يحدث اليوم هو إنعكاس منطقي للخطأ الذي أرتكبناه كناخبين في آخر دورة..
ما حصل على مدى سبعة عشر عام، أحدث أنقساما طبقيا إنتخابيا على ثلاث محاور.. الأول هم طبقة الناخبين الحزبيين، ويمارسون حقهم الديمقراطي في الإنتماء السياسي، بعيداً عن مدى جهلهم وربما انخداعهم بالجهة التي ينتمون إليها، سواء كانت قوى دولة أم قوى سلاح، لكن الواقع يثبت أنهم من يحدد شكل الحكومة دائماً.
الثاني هم الطبقة الرمادية التي لم تشارك في الإنتخابات لسببين، الأول أن الأغلب الأعم شاركة مرة واحدة ولم يتضح له الفرق، لذلك ركن إلى الصمت وعدم التصويت، والآخر لم يشارك نهائياً كونه إتكالي على غيره.
أما الأخير فهم مزيج ناقم من المحورين أعلاه، أحدهم لم يجد ضالته في التحزب، والآخر لم ينفعه سكوتهُ، ويعتبرون من الطبقات سهلة الإنقياد والتأثر بما يصنعه الرأي العام السلبي، لكونهم لا يفهمون غير لغة التصعيد والثورة، ويحملون كل الفشل إلى النظام بدل الحكومة، فهم لا يميزون بين الإثنين!
لذلك الأعداء يحاولون أن يبقى شكل النظام على ماهو عليه، فعملوا على خلق الفوضى داخل الإحتجاجات، ليتم أسكاتها متى ما ينتهي الغرض منها، والآن هم يعملون على إرساء فكرة المقاطعة، لتبقى قوى السلاح وحدها في الساحة، لكن أجتماعا أخيرا للأمم المتحدة كان هو الفيصل، لأنه وافق على أرسال المراقبين يوم الإنتخاب القادم، سعيا لتصويت بلا تزوير أو تلاعب.. كما في سابقاتها.
الإنتخابات بعد الحرب أصبحت واضحة المعالم، والطرف الرئيسي الذي يمكنه أن يغير المعادلة هو الشعب، فلو أردنا فرص عمل، خدمات صحية وبنى تحتية ليس علينا سوى، أن ننتخب من يعمل لبناء دولة ومؤسسات لا كانتونات.. وإن حدث العكس فلا مهرب من وضع أسوء وإنحدار مستمر، ولا يستبعد حصول صدامات مسلحة وسقوط ضحايا.. فلا ضامن إلا خيارات المواطن الحاسمة.