23 ديسمبر، 2024 12:38 ص

إمكانية تفعيل منظومة المجتمع المدني في البلاد العربية، العراق نموذجا ً

إمكانية تفعيل منظومة المجتمع المدني في البلاد العربية، العراق نموذجا ً

تشير الدلائل والأحداث بأن الدول العربية لم توفق في اِنتاج البيئة الملائمة لظهور وتطور منظومة المجتمع المدني مقايسة بالدول الأخرى، بحيث تبين اِن فلسفة تاريخ أركان الدول العربية تمثلت بالحكم الأنفرادي وحاضنة جيدة لتفريغ العديد من القادة السلطويين ، اللذين ساهموا بدورهم في في بسط نفوذ دور الدولة والنظام السياسي، دون النظر الى عملية توفير الحقوق والحريات الفردية، وعدم فسح المجال للمواطن كلاعب فعلي مساهم في الحياة السياسية وبناء الدولة. وتبين بأن المفهوم العربي الى منظومة المجتمع المدني في ظل البيئة المعقدة التي يعمل فيها هو مفهوم بسيط يسوده طابع العمل الخيري من خلال تقديم المساعدات المادية والعينية الى جموع الفقراء، والتي تؤديه بعض المنظمات الخيرية في أبسط أشكالها ذات العلاقة بالمراكزالدينية، القبلية والنخبوية،على سبيل المثال الجمعيات الخيرية الثيوقراطية المذهبية، المؤسسات الخدمية، النقابات العمالية ، الطلبة، و منظمات حقوق الإنسان الشكلية.
شهدت المنظمات الغير حكومية في الوطن العربي التطور النسبي في نشاطها خلال فترة تسعينيات القرن الماضي، كنتيجة حتمية للفشل الذريع في آداء الحكومات العربية في مواجهة المشاكل الأقتصادية، الأجتماعية، الثقافية وغيرها، وقد أزدهرت منظومة المجتمع المدني في المرحلة أعلاه في ضوء الحريات النسبية الممنوحة لها من قبل الحكومات، حيث أزداد نفوذها القانوني والمادي وخصصت العديد من الدراسات والبحوث في سبيل فهم طبيعة عمل منظومة المجتمع المدني، ودأبت المنظمات الغير حكومية في المشاركة جنباً الى جنب مع المؤسسات الحكومية في اِنجاز العديد من الفعاليات والنشاطات والتي أستطاعت من خلالها دعم ولو جزئياً مسيرة التنمية في البلاد العربية.
وراهن الكثيرعلى منظومة المجتمع العربية لتكون الطليعة الثورية الديمقراطية الجديدة في الشرق الأوسط، بعد الهزيمة الساحقة للأيدلوجية اليسارية في الوطن العربي، روجت الغالبية من الطبقة المثقفة العربية في تشجيع المواطنين الى المساهمة والعمل ضمن المؤسسات المدنية والأجتماعية الناشطة جماهيرياً، والمتحصنة بالمساعدات المادية، المعنوية والأعلامية من الداخل والخارج، والتي جاءت وليدة الأستراتيجية الشاملة لتعزيز التغيير الديمقراطي التدريجي في البلاد العربية، وكانت كل الآمال معقودة على مايسمى بثورات الربيع العربي في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ولكن جرت الرياح بما لاتشتهيه السفن، بحيث تلاشت التحولات الديمقراطية في العالم العربي، وانكمشت نشاطات منظومة المجتمع المدني بسبب أستخدام الحكومات العربية الوسائل الأستبدادية منها القمع السياسي، التلاعب بنتائج الأنتخابات، اندلاع الحروب الأهلية وتزايد وتيرة الرهاب والعنف، ومن ثم التدخل السافر والمباشر بآلية عمل وتنظيم المجتمع المدني ووضعها تحت المراقبة الأمنية الدائمة ، وسن العديد من القوانين التي تقيد عمل منظومة المجتمع المدني ، تخفيض وقطع مصادر تمويلها، وتوجيه أصبع الأتهام لها بأنها مرتبطة بالدول الأجنبية، ويمكن ملاحظة نمو بعض مؤسسات المجتمع المدني الداعمة الى القوى الأسلامية المتطرفة والتي وضعت تحت طائلة الأرهاب. ومن هنا أدت العوامل الأخيرة في اِحباط نشاط العديد من المنظمات الغير الحكومية والمنظمات الطوعية بالرغم من وجود بعض الأستثناءات والتي تتمثل بنشاط عدد من مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال التنمية البيئية والأجتماعية، بحيث لاتشكل خطراً على النظام السياسي العربي .
لذلك يمكن الجزم في عدم وجود أي مجتمع مدني مستقل الأرادة عن السلطة السياسية في البلاد العربية ومنها العراق، بحيث يكون قادراً على فرض اِرادته الحرة في تسيير أعماله ونشاطاته، ما لم تتوفر بعض العوامل والشروط والتي يمكن من خلالها قيام منظومة مجتمع مدني كفوء وقوي في العراق :

1 – وجب على دولة العراق العمل الجاد في اِرساء مبادئ الديمقراطية القابلة للتطور ضمن محيط عمل عدد من الأحزاب السياسية المستقلة في نهجها وفكرها والغير مرهونة بالفكر الطائفي والمذهبي المقيت، وتؤمن بعملية تداول السلطة، لذلك تبين بأن معيار نجاح أي من المنظمات الغير حكومية ما هو اِلا اِنعكاس الى مساحة الحريات المتوفرة ضمن بيئة العمل، وطبيعة النظام السياسي القائم.

2 – وجب على النظام السياسي تبني مبدأ الشفافية، والقيام بأصلاحات جذرية من خلال تعديل الدستور وتطهيره من الشوائب الطائفية والمذهبية، العمل على الفصل الحقيقي مابين السلطات الثلاث، تعزيز مشاركة المرأة في اِتخاذ القرار ومن ثم اِزالة كافة ملامح التمييز ضدها، قيام بأصلاح حقيقي للسلطة القضائية ومن ثم الأمتثال الى جميع الأتفاقات والقوانين الصادرة من المؤسسات الدولية والخاصة بالمجتمع المدني وحقوق الأنسان، والغاء جميع القوانين التي تقيد من خلالها نشاط المنظمات الغير الحكومية في البلد.

3 – يسهل النظام الديمقراطي في ولادة الطاقات الشبابية والناشطة ضمن اِطار منظومة المجتمع المدني، والتخلص من ظاهرة النخبوية والوراثية المتجذرة في النظام السياسي العربي والتي ألقت بدورها على مجالس أدارة المنظمات الغير حكومية، ومن هنا اِذا أردنا التغيير الحقيقي البناء والذي يخدم المصلحة العامة، بأن تقوم الدولة في ترسيخ مبدأ المواطنة، لكي تستطيع جميع شرائح المجتمع العراقي في المشاركة الفعالة لبناء الوطن.
3 – يجب ان يتمع المجتمع المدني بالأستقلالية التامة وله الدور الأساسي في صياغة القرارات ضمن محيط الدولة، كذلك رفع التداخل الحاصل مابين القيادات السلطوية و المنظمات الغير حكومية، في نفس الوقت يمكن للأثنين العمل سوية تحت سقف الوطن الواحد والتخلص من ثقافة اِلغاء الآخر.

4 – تتميز آلية عمل منظومة المجتمع المدني بالعمل الطوعي وأن تلتزم بمبادئ الشفافية وسيادة القانون في مسيرتها العملية، ويتم تقديم مجمل الخدمات بأستخدام أساليب الأدارة الحديثة، وتكون المنظومة مسؤولة أمام أعضائها و جمهورها، والعمل من اجل الحصول على الدعم المعنوي والمادي لأنجاز مجمل المشاريع والتي تخدم المصلحة العامة، دون السعي لتحقيق الأرباح الشخصية الطائلة، ويمكن تقاسم بعض الأرباح مابين أعضائها.

5 – توثيق العلاقات العامة مع المنظمات الغير حكومية الدولية و الأستفادة من خبراتها وبرامجها والحصول على التمويل المادي لتنفيذ مشاريعها، اِقامة الدورات التدريبية بكافة ملامحها ونخص منها التثقيفية لرفع وتعزيز مستوى ومهارة العاملين في المنظومة نفسها، يجب تبني الخطاب المناسب لتنمية العلاقات مابين مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، والذي تستند ركائزه على بلورة مفهوم المواطنة و اِيجاد الأطر التي تستند على ألية العمل المؤسساتية الجماهيرية والبعيدة عن الأطر العشائرية والطائفية.

6 – العمل الجدي على دعم حرية الصحافة والأعلام وذلك من خلال ألغاء كافة القوانين المجحفة بحق المؤسسات الأعلامية، وتأمين مستلزمات الأمن الضرورية حفاظاً على أرواح الكوادر الأعلامية، عدم التدخل في عمل وشؤون المؤسسة الأعلامية من خلال حفظ أستقلاليتها، ومن ثم تقديم الدعم المادي والمعنوي لها.