23 ديسمبر، 2024 5:39 ص

إمكانية المشروع المصري في العراق

إمكانية المشروع المصري في العراق

تعيش مصر مجموعة تحديات صعبة على صعد شتى ترسخت للأسف بعد ثورة يناير التي بدت أمام تلك التحديات كأنها محاولة عبثية وغلطة تم بموجبها تمكين تيار ديني من السيطرة على مقاليد الأمور لكنه ضرب في ليلة من ليالي العسكر المتحفز منذ 64 عاما من تاريخ مصر الحديث. فالإقتصاد المصري ليس على مايرام، وتحتاج الحكومة الى الإقتراض من البنوك العالمية، وكان آخر المحاولات طلب قرض من الصين، والتفاوض مع السعودية لمزيد من الدعم، ووضع ودائع في البنك المصري، عدا عن بعض التنازلات الصعبة في قضايا السياسة لتمكين الإقتصاد من الصمود لفترة أطول.
 السعودية والإمارات والكويت فعلت ماعليها ماليا، وماتزال تقدم الدعم، ولم يؤثر ذلك على موقف الحكومة المصرية من الصراع في سوريا الذي تراه القاهرة صراعا وجوديا فهي تلتقي فيه من بعيد مع الإيرانيين ! ولم تنزعج دول الخليج من ذلك لأنها لاتريد أن تخسر مصر التي يمكن أن تلجأ الى مصادر تمويل أخرى وعقد تحالفات في زوايا من العالم في حال وضعت في الزاوية الضيقة، في حين لم تتردد القاهرة في دعم موقف الرياض من حربها على اليمن فهذه الدولة الفقيرة ليست من ضمن قائمة الأولويات، ولاتريد القاهرة تكرار تجربة جمال عبد الناصر وإكتفت ببعض المواقف المؤيدة نوعيا والمتماشية دون الخوض في الحرب بشكل كامل، وإنسحب هذا على مواقف أخرى في قضايا من الصراع، وترسل مصر من حين الى آخر إشارات عدم رضا عن الوجود الإيراني في المنطقة ودورها في العراق، وعلاقاتها مع دول الخليج، وتعلن صراحة رفضها وعزمها فعل كل مايمكن لتأمين وضع الدول الخليجية في مواجهة التحديات التي تفرضها معادلات الصراع في المنطقة.
لم يكن هناك حضور للإرهاب في سيناء وأجزاء أخرى من البلاد بذلك المستوى من الخطورة كما هو بعد ثورة يناير وفشل الإخوان في التمكن الكامل من السلطة، وضربهم بعنف، مع إنتشار الفكر التكفيري، وظهور تنظيم داعش، وسقوط ليبيا في الفوضى، وتنامي مخاطر العنف في دول الساحل وبعض الدول العربية. فقد تحولت أجزاء من سيناء الى أماكن خطرة للغاية، وصارت المواجهات محتملة مع الجماعات التكفيرية في جنوب سيناء وشمالها وإمتدادها الى الحدود مع قطاع غزة، وتمكن الإرهابيون من إستهداف قطاع الطاقة، وفجروا أنبوب الغاز المصري شمال سيناء لأكثر من مرة، كما قاموا بإستهداف عناصر الجيش والشرطة وقتلوا العديد منهم، وضربوا مؤسسات حكومية مهمة، وركزوا على قطاع السياحة حيث إنتهى الأمر بإسقاط الطائرة الروسية التي كانت سببا في وقف الرحلات العديدة من روسيا الى شرم الشيخ، وكذلك البريطانية، عدا عن التركية نتيجة دعم الرئيس أوردوغان لجماعة الإخوان المسلمين.
إتخذت دول كإيران وتركيا وقطر مواقف واضحة من مصر، ولم يكن لها رغبة في التقارب المباشر مع نظام الرئيس السيسي الذي أسقط مشروعا أصوليا كانت طهران ومعها أنقرة والدوحة تعول عليها كثيرا، وبدا واضحا أن حلم الإخوان لم ينقطع وهو مستمر في الأوساط الشعبية، وينتظر اللحظة الكافرة التي يخرج فيها الى العلن برغم كل ماتعرض له من ضربات متوخيا الوضع الراهن، والمصاعب الإقتصادية، وعدم وجود أفق لمستقبل يرضاه المصريون، ولعل هذا من أعقد مايواجهه الرئيس السيسي الذي يحاول لملمة القضايا الداخلية، وتركيز السلطة، وعودة أجهزة الجيش والشرطة والمخابرات لتمسك بالزمام مجددا وبقوة قاهرة، مع محاولة الحصول الى على الدعم الممكن من الدول الكبرى ودول عربية والنهوض بالإقتصاد وإرضاء قطاعات شعبية ساخطة.
بعد كل هذا لايجد المراقبون مبررات كافية لمصر لتقوم بدور خارجي يؤكد حضورها القديم في الساحة العربية خاصة في القضايا الصعبة كما في سوريا واليمن والعراق ودول شمال أفريقيا وليبيا. لكن المصريين يعتقدون إن الدور السعودي المواجه لدور إيراني أكبر وأكثر نجاعة لايمكن أن يستمر الى مالانهاية، وعلى القاهرة أن تفعل مابوسعها لرسم ملامح سياسة جديدة في العراق دون الركون الى مبدأ التابعية في الصراع، فالموقف العربي من القضايا الراهنة تقرره السعودية، وهو الأمر الذي يضعف حضور أي قوة عربية أخرى، وتحاول القاهرة التواصل مع أطراف عراقية بعيدا عن التعقيد، أو طلب الولاء والتابعية، فالموقف السعودي  منحاز للسنة، ويعلنه المسؤولون السعوديون الذي يرفضون الحضور الإيراني ويقاومونه من خلال مجموعات سياسية وأخرى مسلحة، ويمكن أن نقول، إن المصريين يتبعون سياسة بطيئة وهادئة وهي السياسة التي رسمها نظام الرئيس محمد حسني مبارك، ويبدو أن الرئيس السيسي غير متحمس كثيرا لتغييرها، ولكنها سياسة واقعية ومحكومة بظروف مصر، وليس الخارج فقط.
الدور المصري يمكن أن يتقوى في حال لم تنجح طهران في إستراتيجيتها التي تتبعها منذ 2003 وحتى اليوم، ومع مايواجهها من تحديات متعلقة بعدم رغبة واشنطن ومعها الرياض بإستمرار النفوذ الإيراني، ومحاولة إستقطاب أطراف شيعية دينية وسياسية وعشائرية لتكون بالضد من إيران، كما إن القاهرة لديها فرصة كبيرة في لعب دور مواز للدور السعودي، أو أقوى منه بإستغلال عامل الرفض الشيعي للسعودية والإحتقان الكبير في العراق ضد سياسات الرياض، ومايقابله من عدم قناعة بالدور الإيراني الذي إرتبط بمواجهات دامية على الصعيد الطائفي، ونوع الإحتكاك مع الأمريكيين. حيث مايزال العراقيون يرون أنهم الطرف الأضعف وغير المستفيد، وهو الأمر الذي يفتح كوة للمصريين ليؤدوا دورا مغايرا للدورين الإيراني والسعودي.
[email protected]