القسم الأول
عندما أقرأ القانون ، أحدث نفسي متسائلا ، لِمَ تُشَرَعُ الأكاذيب بأسانيد الإفتراءات ، وحين أقرأ الواقع ، أجد معظم الناس يكذبون ، وأكثرهم للحق كارهون ، وأليمة صور الحقائق في قوم إمتهن معظمهم صنعة لبوس المنافقين غير طوعا ، فإستمرأوا طعم عدم الوفاء وإن كان علقما ، في فم وقلب وعقل كل من لا يعرف الصدق إلا بمخالفته ، ثم لا يجد طريقا إليه إلا بحيل وألاعيب وحبائل ودجل السياسيين ، الذين أصبحت سيرهم مناجم وسائل وسبل خيانة الوطن والأمة ، وإكليل عار وشنار أبدي ؟!، يطوق عنق كل عميل منهم بلا خجل أو حياء ؟!. ولا أدري كيف أصبح الهروب من أداء الواجبات ، ومؤازرة الأجنبي في محاربة الوطن وقتل أهلة خدمة جهادية ونضال ، والتسكع في شوارع مدن الجوار والسكن في دهاليزها المظلمة مع الفئران ، فصل سياسي لمن لا يعرف معنى الوظيفة المؤقتة أو الدائمة على الملاك ؟!. ولا أعلم هجرة من أجل تأسيس أحزاب عرقية وطائفية ومذهبية ، وتشكيل بيوت أقلية وأكثرية مناطقية وإثنية ؟!. بعيدة عن الخير ، قريبة من كل شر ، لا ترقب في مواطن إلا ولا ذمة ، في سجل إنسان متجرد من بعض صفات حيوان غير أليف ، عسى أن نصل إلى من لا يريد أن يعرف الفصل السياسي ، طمعا فيما خطته يد الجهلاء ، ليتمتع كالأنعام أو يكون أَضل منها سبيلا ، بلا منازع في القانون أو الإدارة أو الإقتصاد ، حين يؤمن بشمول الأشخاص من غير الموظفين بما لا يفقه في أصول أو فروع الفصل السياسي ؟!، ولا يدري من أي نوع الفصل أو الإنفصال ذاك الممنوح عنه إمتيازات بطالة التسكع والتسول المخل بالنظام العام ، مع إنه من غير سقط العقوبات المنصوص عليها في قانون إنضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991- المعدل وما قبله ، ولا هو من نتاج الإستغناء أو إلغاء أمر التعيين أو النقل أو إلغاء الوظيفة ، أو الإستقالة بناء على الطلب أو من يعتبر مستقيلا بسبب الغياب أو عدم الإلتحاق والمباشرة في الوظيفته ، أو الإحالة إلى التقاعد بناء على الطلب أو لأسباب صحية بقرار من اللجنة الطبية المختصة ، أو بسبب الأقصاء من الوظيفة أو الخدمة ، حسب أحكام المواد (14/16/33/35/37/40/62) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) سنة 1960- المعدل . أو أي قانون أو قرار يقضي بإنهاء خدمة الموظف لأسباب تتعلق بعدم الولاء للوطن أو عدم الكفاءة أو عدم النزاهة الوظيفية المهنية ، بما فيها قرارات المحاكم القاضية بالحبس أو السجن عن المخالفات أو الجنح أو الجنايات غير السياسية ؟!.
فالفصل السياسي نتيجة صراع السياسيين الأضداد ، من أجل الإستحواذ على السلطة والتفرد بمراكز القوة وإتخاذ القرار في البلاد ، فالأحزاب أو الجماعات المناوئة لمثيلاتها أو المعارضة للحكومات ، لا تمتلك غير الرغبة ومنذ اللحظة الأولى في عهدها ، إن لم تكن قد عقدت العزم من قبل ذلك ، على إختيار وإعتماد قاعدة ( مقتضيات المصلحة العامة ) سندا في عرف الإجراءات الإدارية اللازمة ، لعدم الإبقاء على خصومها ومنافسيها من الموظفين في جميع دوائر وأجهزة ومؤسسات الدولة ، بدعوى تشكيلهم الخطر المحدق بسلامة وأمن البلاد والعباد ، في ظل أركان سلطات جديدة ، تستند إلى بعض مواد القانون المتعلقة بتطهير الجهاز الحكومي أو بتنسيق الملاك ، القائمين على أساس مبدأ عدم الكفاءة أو النزاهة الوظيفية ، أو ترشيق الجهاز الحكومي مما أصابه من الترهل والأدران ، أو إتباع كل ما يبرر تحقيق غاياتها بمختلف الوسائل والأساليب القائمة على أسس قرارات السلطة التقديرية ، وإن لزم الأمر سن قانون خاص لذلك الغرض . لأن هاجس أمن الدولة المصون يوما بما يعتبر في يوم لاحق ، خيانة عظمى وجريمة كبرى لا تغتفر ، من أهم عوامل الدفع بإتجاه النيل من الآخرين ، بالتهميش أو الإجتثاث أو الإبعاد ، أو بالتنكيل الذي قد لا يقف إلا عند حد الحرمان من الحقوق ، إن لم يطال النفس البشرية بعقوبة الإعدام أو الإغتيال أو السجن أو الإعتقال ، من منطلق المسؤولية العمياء ، حين تفقد صوابها وتغشى بصيرتها الظلمات ، ولا تسترشد إلا بالتمتع السادي في ( حلاوة رضاعها ومرارة فطامها ) أو ( كلما دخلت أمة لعنت أختها ) ، وتلك هي مسيرة التداول ( السلمي للسلطة ) في دول التخلف والإستبداد ؟!، المنتهيـة والمنتهكة سيادتها بالإنقـلاب أو بالإحتلال العسكري ، ومن ثم بالإنتخابات المشكوك في أسبابهـا ونتائجها سلفا في كل زمان ومكان .
إن مهنية الأداء الوظيفي الأصيل ، لا تستدعي العمل بإجراءات التشريعات التي لا تتفق مع مبادئها وقواعدها الصحيحة والسليمة ، القائمة على منح الإستحقاقات لقاء أداء الواجبات المحددة بموجب القانون العام ، لمن هو في الخدمة وتحت مظلتها القانونية ، وليس إحتساب المدد الواقعة خارج الخدمة أو بعد إنتهائها لأي سبب كان ، ومنها ما سمي بالفصل السياسي ، لندرة سلامة تفاصيله ، وندرة ثبات أركانه الموصوفة بتقلبات المواقف في معظم الأوقات ، ولقيامه على إرادة ورغبة ومبدئية الأحزاب ومنتميها ، وذلك مما لا يمكن جعله ثمنا مقابلا لمبادئ وأهداف العمل المعارض لصالح الوطن والمواطنين ، لعد علاقته بشؤون الوظيفة والخدمة العامة وقانون الإنضباط ، ولكن من البديهي أن تسارع أحزاب السلطة ، إلى تشريع ما يعيد إلى منتميها المبعدين عن الوظيفة بعنوان الفصل السياسي ( حقوقهم المغتصبة أو تزيد عليها بما لم يكن في الحسبان من الإمتيازات ) ، أو أن يكون ذلك التشريع للتعبير عن حسن نوايا السياسيين الجدد أزاء بقية الأحزاب المتصارعة ، بما يتناسب وتحقيق الأهداف والغايات ، القائمة على تنفيذ الممكن والمسموح به حينا ، المتلاعب بألفاظه ردحا ، المختلطة أوراقه أحيانا ، الممزوجة بكثير من الإفتراءات وعدم الوضوح ، المنتهية بعدم الوفاء بالتعهدات ، وعليه جاءت إحدى المعالجات ، حسب نص القرار المرقم (1323) في 24/10/ 1971 ، على أن تعتبر مـدة بقاء المفصولين والمطرودين والمعزولين والمحالين علـى التقاعد لأسباب سياسية خارج الوظيفة ، خدمة مستمرة لأغراض الترفيع والتقاعد ، وعلى أن لا تصرف للمشمولين الفروقات المالية في الرواتب والمخصصات عن المدة السابقة . ومن المؤكد أن ليس في قصد الأسباب الموجبة سياسيا ، شمول المحكومين عـن جنح وجنايـات مخلـة بالشرف ، أو بغيرها مما لا يعد لأسباب سياسية إلا بمنظور أصحاب النفوذ والقرار ، والتي لا نرى في عدم التمييز بينها ، إلا زيادة في سيادة الفوضى والإرتباك والتخبط الإداري ، وترويجا لطلبات الخارجين عن القانون أصلا ، ومن ثم إحتساب مدد محكومياتهم عن المخالفات أو الجنح أو الجنايات قدما لأغراض العلاوة والترقية والترفيع والتقاعد ، بإعتبارها من ضمن مدد الفصل السياسي المزعوم ، مثلما أحتسبت مدة الهروب من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإحتياط خلال مدة الحرب والحركات الفعلية ، تحت ذات الغطاء وبدون مراعاة ما يميز به غيرهم من الإلتزام والإنضباط الأخلاقي والعسكري ، الذي كلف البعض منح حياته للدفاع عن الوطن بسخاء ، مع عدم وجود معايير المقارنة بين هؤلاء وأولئك في ظل أغطية نفاق سياسي نسجت خيوط أثوابه ؟!. في دور النشر والإعلان غير المهني ؟!.
ولعل مما يستنكر مهنيا ، ما وجهت به الأمانة العامة لمجلس الوزراء بكتابها المرقم ( 7150 ) في 12/7/2005 ، بأن ( يشمل مفهوم المفصول السياسي ، الذي يمكن الإستناد إليه للإعادة للوظيفة ، وإحتساب مدة البقاء خارج الوظيفة لأغراض الخدمة ، كل من حكم عليه – أو حكم على أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة – لأسباب سياسية ، أو صودرت أمواله – أو أموال أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة – لأسباب سياسية ، أو أبعد خارج العراق لأسباب سياسية أو عنصرية ، أو أسقطت عنه الجنسية العراقية ، أو كان لاجئا سياسيا خارج العراق ) . ولا أدري كيف تحتسب مدة بقاء الموظف خارج الخدمة ، لمجرد كونه من أقارب من حكم عليه ، أو صودرت أمواله حتى الدرجة الرابعة لأسباب سياسية غير معلومة أو واضحة بغير دليل الإدعاء ؟!، والكل يعلم هشاشة العلاقات الإجتماعية بين الأقارب أصلا ، وعدم تأثرها بالعقوبة الصادرة بحق الأبناء لأسباب سياسية ، إلى حد إعلان البراءة منهم بمختلف الطرق والوسائل والأساليب ، خشية تعرضهم للمساءلة أو العقاب لغاية الدرجة الرابعة صلة ونسبا ؟!. ودفعا لثمن شراء آليات ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ؟!. حين أصبح الشيوعي والكردستاني بعثيا ضمن ما سمي حينها بتنظيمات ( الصف الوطني ) ، بعدما كانت جرائد الثورة وطريق الشعب والتآخي ، تنهش في لحم مبادئ الأفكار المختلفة وجسد هياكل أحزابها ، وتكشف أساليب تحقيق مصالحها على حساب مصالح الشعب بإسم الشعب ، المستباح دمه وعرضه وماله وعقله ، ثم ليوزع إنتماء البعثيين بعد الإحتلال على جميع تنظيمات الأمس واليوم ، بغية الحصول على المنافع بدون ثمن ، بإستثاء العقائديين منهم وغير الحزبيين . وهم القليل عددا والأكثر إلتزاما وحرمانا مما تمتع به أقرانهم في كل حين ؟!.