23 ديسمبر، 2024 4:56 ص

إلى من بحت أصواتنا بندائهم

إلى من بحت أصواتنا بندائهم

ما إن هممت لكتابة سطر او قرأت سطرا لكاتب، يشكو فيه تقصير مسؤولينا وسياسيينا -وهم كثر- إلا تذكرت أبياتا قالها سهل بن مالك الفزاري في امرأة من قبيلة طي، غدا شطرها الأخير مثلا على ألسنتنا، وكان يريد أن يسمعها مايعنيه، متخوفا من الرقباء، فهي سيدة قومها وعقيلتهم. فقال:
ياأخت خير البدو والحضاره
كـيف ترين فـي فتى فزاره
أصبح يهوى حرة معطـاره
إياك أعني واسمعي ياجـاره
وعلى بعد المكان والزمان بيننا في العراق في القرن الواحد والعشرين، وبين صاحبنا سهل وفاتنته الطائية، هناك تشابه بين ماقال وما نقول ونكتب اليوم، والشبه تحديدا ممزوج بالخوف والـ (مستحاة). فهو كان يخاف العرف الإجتماعي السائد آنذاك، فيكبح رغبته في البوح بالغزل والتشبيب بامراة، أما نحن فنخشى على (لوزتنا) و (خبزتنا) من البوح بما نعاني منه، لاسيما بعد ان انعدم مفعول المفردات والمقالات والانتقادات والـ (رزالات) بحق مسؤولين ليسوا أكفاء بدءًا من آذانهم الصماء انتهاءً بعقولهم الجوفاء، مرورا بجيوبهم العصماء من كل فلس حلال.
ففي عراقنا اليوم مامن كبير او صغير، كاتب او ناقد، صحفي او مواطن بسيط من الذين يملكون الهوية العراقية، إلا وهم مشتركون بنفس الشعور والمشاعر، وعليهم نفس الضغوط التي تتعدد مصادرها من أفراد في الحكومة التي انتخبوها، وهم مرغمون على الحديث عنهم لصعوبة الحديث معهم. فهم كما يقول مثلنا (مبيتين المحبس)، بعد ان ضمنوا ان الكرسي أصبح (طابو) بكل صلاحياته وامتيازاته. ولم يعد لنا نحن العراقيين من منفذ إلا التلويح والإيماء بالأيادي او الغمز واللمز بالاعين، او تسخير أقلامنا في صياغة مقالات وكتابات ملأت الصحف العراقية، وأخرى هموم ناءت بحملها صناديق الشكاوى، بحق وزير او موظف تبوأ منصبا مكنه من التلاعب بمقدرات العراقيين، حين ينطوي طلب او حاجة لمواطن في درج من أدراجه وينزوي الى حيث النسيان.
غير أن الفرق بين حسناء شاعرنا آنف الذكر، وبين موظفينا بدرجاتهم من كاتب بسيط، صعودا الى مدير ومدير عام ووكيل وزير فوزير، الى قمة الهرم العراقي، ممن أمر العراقيين بيدهم، ان تلك الفاتنة أجابت (سهيل) ببيتي شعر أشفت بهما غليله، ونال مانال من مطلبه منها. أما السادة المسؤولون فأظنهم يرون في تلكم الكتابات المنشورة في الصحف او المسموعة في القنوات الإذاعية، او المرئية في الأخرى الفضائية، كذلك الشكاوى المعروضة أمام أنظارهم او المعلقة في الرفوف، او التي آل بها المآل الى سلة المهملات، كل هذه علاوة على الشكاوى التي تصلهم مشافهة، يجدون متعة في تكاثرها وتزاحمها على مكاتبهم، وقطعا لايحركون ساكنا في أي منها وبأي اتجاه، إلا ما يصب في مصالحهم ومآربهم الشخصية والفئوية.
فليت شعري يامن كتب لكم العراقيون أسفارا من الهموم، وبنودا من الطلبات، وهي جلها من واجبكم تنفيذها له، لاتنسوا انكم موظفون، مهما علت درجاتكم وازدادت رواتبكم، فحللوها وطيبوا عرق جبينكم بأداء ما أقسمتم عليه، وتذكروا حين تسمعون أنين عراقي مغبون حقه، انه يعنيكم على وجه الخصوص بأنينه، وتيقونا بأنكم المقصودون في كل الآهات التي علا صداها سماء العراق، وتأكدوا أنكم تسببتم في ضياع ثروات البلاد، وأسهمتم إسهاما كبيرا في ظلم ملايين العباد، فلكم لا لغيركم قصب السبق فيما آل اليه وضع العراق، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، وصوبكم تتجه بوصلة الذنب، وإليكم تشير أصابع الاتهام، بعد أن غطت بصمات جرائمكم خارطة العراق، وكما قال سهيل: إياك أعني واسمعي ياجارة.