22 ديسمبر، 2024 7:17 م

إلى متى يظل الوعي مفقودا

إلى متى يظل الوعي مفقودا

يستخدم الكثير من المعلقين والكتاب وحتى بعض الصحفيين بالإضافة إلى أصحاب صفحات السوشال ميديا المساحات التي وفرتها لهم تكنولوجيا العصريستخدمون ما تسرب عن أن إسرائيل أبلغت إيران بموقع الضربة أو بالأماكن التي سيتم ضربها. وينقل احدهم عن مراسل قناة ( كان ) الإسرائيلية قوله عن الضربة لو كنت مكان خامنئي لعدت إلى النوم. متناسيا هذا الكاتب أن هذه القناة معروفة بعدائها الشديد لرئيس الوزراء الإسرائيلي وانها يمكن أن تبث أي كلام.

آخرون قالوا أن الضربات الإسرائيلية متفق عليها لإرضاء الرأي العام الإسرائيلي  لضمان عدم استفزازه. وقال آخر أنها هجمات مسرحية ومجرد خرمشات وبها انتهت الحرب الإيرانية الإسرائيلية مع استمرار صراع النفوذ والتوسع.

آخر كتب في السوشال ميديا أن ضربة إسرائيل لإيران منزلة بين المنزلتين لاهي ضربت ولا هي سكتت. بينما علق مشارك آخر بأن الوقت مبكر لتقييم الضربة الإسرائيلية لكن المؤشرات الأولية تفيد بأنها كانت ضعيفة. يطالبون بفتح الجبهات لكنهم لا يقدمون أولادهم أي انهم يريدون جبهات مفتوحة وحروب وقتال طالما من يضحون بأرواحهم ليسوا أهلهم وليسوا أولادهم. يحارب هؤلاء المعلقين على صفحات السوشال ميديا ثم يعودون إلى غفواتهم ليكملوا أحلامهم.

لنترك الإعلام العربي التحريضي الذي يدعي أن الأمر كان مجرد مسرحية ولنترك الذين يقولون أن الضربة الإسرائيلية ضعيفة ولنضحك على الذي كتب أن الجبل تمخض فولد فأرا. في اعتقادي أن هذه الضربة كانت قاصمة وجاءت مؤلمة كما قالت إسرائيل لكن على ما يبدو فإن الجانبين الإيراني والإسرائيلي يريدان تقليل اثرها. إسرائيل فعلت ذلك حتى لا تستفز إيران برد يائس وإيران سكتت حتى لا تظهر مدى ضعفها وهشاشتها وانكشافها أمام إسرائيل وتبرير امتناعها عن الرد. لكن إسرائيل في الوقت نفسه أظهرت بعض صور الأقمار الصناعية التي تظهر الحجم الكبير للأضرار التي نجمت عن الضربة.

كذلك سارعت عدة دول عربية لإدانة الضربة الإسرائيلية وكأنها تعزي إيران وتواسيها بهدف تهدئتها وتخفيف اثر الصدمة عليها وحتى لا تتهم هذه الدول بأنها موافقة على الضربة.

في كل مرة يثبت فيها كثير من المعلقين تعلقهم بنظرية المؤامرة وفكرة التآمر وخيوط التواطؤ وأي عملية أو إجراء أو قرار لا يفهمونه أو لا يريدون أن يفهموه ينسبونه إلى مؤامرة ويستريحون ويطفئون سراج عقولهم عن التفكير.

وهؤلاء المؤمنون بنظرية المؤامرة قسمان الأول مؤيد لإيران وهؤلاء يصرون على أن الضربة الإسرائيلية كانت سطحية وغير مؤثرة وان القدرات العسكرية الإسرائيلية اقل بكثير مما تعلن عنه إسرائيل. أما القسم الثاني فهم معارضون لإسرائيل ولايران معا لذلك فإنهم يرون في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل الآن مجرد مؤامرة مشتركة ومسرحية متفق عليها. ومن جهة ثانية لا يمكنهم الاقتناع بقوة إسرائيل وقدرتها على الوصول إلى الأهداف الإيرانية التي تم ضربها. فيقللون من اثر الضربة ويصرون أنها كانت لمجرد رفع العتب وتبييض الوجه أمام الرأي العام الإسرائيلي.

الإيمان بنظرية المؤامرة هو أحد منافذ الهروب من الواقع وهذا هو الأسلوب الأسهل لإعفاء المرء الفاشل نفسه من المسؤولية. فالتفسير المؤامراتي لأي  حدث يريح صاحبه الذي لا يريد أن يصدق الحقيقة فيحمل المسؤولية لجهة وهمية أو خارجية أو غير موجودة أبداً أو أنه يضع أهدافا لذلك الحدث أبعد ما تكون عن الأهداف الحقيقية. وفي الأغلب تكون فكرة المؤامرة مجرد أمنيات خفية لدى حاملها أو الذي يروج لها أو أنها حيلة سياسية مبرمجة من جهة سلطوية لصرف الأنظار عن المسألة الحقيقية. واللجوء إلى الغيبيات يعطي الضعفاء والفاشلين حالة من الاطمئنان فيستريحون من عناء التفكير وعناء تحمل المسؤولية.

لا أقول إنني اقف في معسكر إسرائيل لكني أثق بقدراتها العسكرية وبياناتها. ولنا في التجارب السابقة عبرات ودروس. راينا في الحروب السابقة منذ عام 1948 كيف برع العرب في تحويل الهزائم إلى انتصارات إلهية ما دام النظام لا يزال موجودا بعد الحرب. كنا نسمع بيانات علنية عن الصمود والانتصار والتحدي ثم تنكشف الأمور بعد ذلك وبكل وضوح عن حقائق صادمة. في حرب حزيران استهترنا بقدرة إسرائيل ولم نصدق نتيجة العدوان إلا بعد مرور أيام على الاحتلال العسكري الإسرائيلي لأراضي ثلاث دول عربية. وفي أكتوبر من عام ثلاثة وسبعين هللنا للعبور والتحرير لنكتشف بعد عشرة أيام من القتال أن الجيش الإسرائيلي عبر إلى غربي القناة واحتل أراضي شاسعة وحاصر الجيش الثاني المصري. وفي جبهة الجولان صدمنا باقتراب الجيش الإسرائيلي من دمشق بعد أن هللنا لتحرير بضعة امتار من الجولان المحتل.

في عام 1982 كان ياسر عرفات على سبيل المثال يتحفنا بتوقعات النصر ثم فاجأ العالم بتوقيعه على بيان يقول فيه أنه يقبل بتطبيق جميع قرارات الأمم المتحدة (وهذه القرارات تشمل قرار التقسيم وقرار 242 الذي ظل يرفضه) ثم روعتنا مشاهد منظمة التحرير الفلسطينية وهي تغادر بيروت وتخلي لبنان وتبدا الحوار مع الولايات المتحدة وصولا إلى أوسلو 1993.

وفي حرب 2006 اعتقدنا أن إسرائيل ستركع أمام ردع مقاومة حزب الله لكننا صحونا بعد شهر من الحرب على دمار شامل في معظم أنحاء لبنان وخاصة الجنوب اللبناني ومع ذلك وصف الحزب تلك الهزيمة بأنها نصر الهي.

هذا القائد المهزوم نفسه جر لبنان إلى حرب مدمرة دمرت لبنان ودمرت حزبه قبل ذلك مع أنه كان يعد بحرب تتخطى الحدود والقيود وكتب العشرات على صفحات السوشال ميديا المدائح المدبجة في هذا القائد الذي قتل في مخبأه تحت الأرض قبل وقت قصير من موعد خروجه من لبنان بصحبة القائد الإيراني الذي جاء إلى بيروت خصيصا لكي يصحبه في هروبه.

والان نجد الجيش الإسرائيلي يحتل جنوب لبنان بطريقة القضم البطيء ويدمر المخابىء والأنفاق التي كان حزب الله يعد الفلسطينيين بأنه سيحرر من خلالها أرض فلسطين. الجيش الإسرائيلي الآن في الجنوب اللبناني يسرح ويمرح ويصول ويجول في الجنوب وينقل ترسانة الحزب بعيدا عن لبنان.

وكتب آخرون يمتدحون السنوار الذي تسبب في نكبة غزة ودمارها وجعلوا منه النموذج الفريد للأجيال القادمة ونموذج القائد المقاتل على الجبهة مطالبين بتدريس هذا النموذج في مناهج التربية والتعليم مع أنه كان مختبئا في الأنفاق طوال سنة كانت فيها غزة تموت بالموت البطيء ولم يخرج منها إلا يوم مقتله وقد كان يستعد للفرار خارج القطاع.

في احدى المحطات الفضائية وفي برنامج شبابي متحمس قالت احدى المشاركات أن سبعة وثلاثين ألف شهيد يجب أن يكون ثمنهم أكثر من فلسطين التاريخية. والان بعد أن وصل عدد القتلى إلى ما يزيد عن أربعين ألف شخص لم يعد ثمنهم إلا سلامة رأس قادة حماس ومرورهم الآمن هروبا من جحيم الحرب التي أوقعوا فيها قطاع غزة.