رغم بعض الحديث والتحليل المتفاؤل الذي يبديه البعض بخصوص نشوء حالة من التقارب بين الروس والأمريكان، ولكن الواقع المؤكد بهذه المرحلة أن كلا الدولتين الروسية والامريكية تعيشان الان بحالة حرب سياسية ساخنة جدآ قد تتطور مستقبلآ لصدام عسكري غير مباشر ، وعلى الاغلب سيكون مسرح هذا التصادم العسكري هي الاراضي الشرق أوكرانية الانفصالية وتحديدآ من مدينتي دونيتسك ولوغانسك ،أو منطقة شرق المتوسط ، وهذا مابدأ واضحآ اخيرآ ،من خلال مؤشرات تؤكد توسع رقعة الدرع الصاروخية الأمريكية إلى مناطق جديدة بشرق أوروبا “رومانيا وما بعد رومانيا ” والاستفزازات الأمريكية للروس من خلال القيام بمناورات عسكرية مشتركة بين الجورجيين والأمريكان ، وهنا بدأ واضحآ مدى اتساع رقعة الخلاف والتصعيد بين موسكو من جهة ، وواشنطن وحلفائها الغرب أوروبيين من جهة أخرى حول الملف الاوكراني تحديدآ ومجمل ملفات المنطقة والعالم ككل . ما تقوم به الولايات المتحده الأمريكية من استفزازات للروس ،تؤكد بأن الروس بهذه المرحلة تحديدآ ، وأكثر من أي وقت مضى اصبحوا بشكل اكثر واقعية تحت مرمى وتهديد مشروع امريكا وحلفائها، فهم اليوم بأتوا بين مطرقة الدرع الصاروخية الامريكية التي باتت بحكم الواقع قريبة من الحدود الروسية، وتشكل خطر محدق بأمن المنظومة العسكرية الروسية ،، وخطر خسارة اوكرانيا لصالح الغرب، واحتمال فقدها لكثير من مناطق نفوذها بالشرق الاقصى والشرق الاوروبي وبالشرق العربي، وسندان تقويض جهودها التوسعيه والوصول الى مناطق ومراكز نفوذ جديده والاستغناء عن مراكز نفوذها القديمة لصالح القطب الاوحد الأمريكي والانكفاء على نفسها ، وليس بعيدآ عن كل ذلك الملف السوري وغيره من الملفات وخصوصآ الثروات الطبيعية وملفات حقول الطاقة بالدول التي تتحالف مع الروس “الثروات الطبيعية الايرانية- كمثال” ، ومن جهة اخرى يدرك الروس حجم المؤامرة الأمريكية ، والتي أفرزت ما يسمى “بحرب النفط” ، والتي تستهدف اركاع القوة الروسية ، والحد من تصاعد النفوذ الايراني بالاقليم العربي. * الصراع على أوكرانيا !!.من أفرزات هذه الضغوط والتحديات التي تفرضها واشنطن وحلفائها على موسكو ، خطر فقدان موسكو ورقة قوة لصالح الغرب وهي أوكرانيا ، فاليوم هناك تأكيدات على استعداد روسي لعملية عسكرية مفاجئة داخل اوكرانيا في اي وقت تقدم فيه القوات الاوكرانية مدعومة بقوة غربية باقتحام مدينتي دونيتسك ولوغانسك، شرقي أوكرانيا واللتان تقعان تحت سيطرة معارضين للحكومة الأوكرانية ، وبنفس الوقت هناك تأكيدات من قبل قادة ما يسمى “بحلف الناتو” على عدم السماح لروسيا باحتلال أي جزء من اوكرانيا وفق تعبيرهم ، وهذا ما اكده آولاند وميركل وكاميرون ، واكد عليه باراك اوباما فقد قدم الرئيس الامريكي ضمانات للرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكوعلى ان الغرب لن يسمح للروس باستباحة ارض أوكرانيا على حسب تعبيره ولو كان الثمن لذلك هو الدخول بحرب مفتوحة وشاملة مع الروس. هنا سنقرأ مدى خشية واشنطن من تمدد وتوسع رقعة النفوذ الروسي أقليميآ ودوليآ على المصالح الأمريكية ، وهذا ما دفع واشنطن إلى الرمي بكل ثقلها على محاولة تقويض الجهود الروسية في التوسع في تحالفاتها واتساع مراكز القوه والنفوذ شرقآ وشمالآ ، مما قد يعرض مراكز النفوذ الأمريكية في هذه المناطق إلى خطر الزوال من هذه المناطق ولذلك تحاول واشنطن ان تضع موسكو بين خيارين أما ان توقف توسعها وتمدد مراكز نفوذها في العالم ، او أن تتلقى ضربات موجعة في عمق الداخل الروسي وتحديدآ من الجمهوريات التي تحسب على انتمائها الروحي والولاء المطلق لموسكو ، مثل اوكرانيا والشيشان المضطربة أمنيآ. * ما الذي دفع الدب الروسي للتكشير عن أنيابه عام 2008 ؟؟.و السؤال هل ستسمح روسيا لأمريكا بأن تملي عليها بهكذا شروط ؟؟ وخصوصآ بعد الضربة القاسية لروسيا بعد خسارتها لأوكرانيا لصالح الغرب، فاليوم الروس يواجهون مشروعآ غربيآ الهدف منه تقويض الجهود الروسية في الوصول إلى مراكز قوى جديده ومناطق نفوذ اوسع تحقق لهم قوه دراما تيكية على الصعد السياسية وحينها ستكون واحده من القوى الاكبر دوليآ المؤثرة اكثر من أي وقت مضى بصناعة القرار الدولي. منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي وانقسام جمهوريات الاتحاد إلى كانتونات متفرقه ومع تعدد انتمائاتها وولائاتها ، اصبح الغرب يتطلع اكثر وأكثر الى كسب هذه الجمهوريات الى صفه لتكون ورقة ضغط على الروس في أي تسويات دولية مقبلة لتقاسم مراكز القوه والنفوذ والثروات في العالم ، وحينما ادرك الروس ان الغرب تمادى اكثر واكثر بهذه الممارسات الاستفزازية ، وبدأ الحديث عن نظام الدرع الصاروخي المنصوب شرقآ وعلى مقربه من الدولة الروسية في بعض الجمهوريات التي كانت تحسب عليهم في حلفهم واتحادهم السابق وهو الاتحاد السوفيتي في بعض جمهوريات الشرق الاوروبي وبعض دول الشرق الاسيوي ، ، حينها ايقن الروس وأخذو القرار بأن عليهم التكشير عن انيابهم امام هذه الغزوه الكبرى والتهديد المحدق بهم. * هل وصلت رسالة موسكو لواشنطن وحلفائها بعد حرب جورجيا 2008 ؟؟.بمطلع شهر أب من عام 2008 قامت القوات الجورجية بهجوم عسكري من جورجيا على مقاطعتي أبخازيا وجنوب أوسيتيا المواليتين للروس، وبعدها قامت القوات الروسية بهجوم مضاد سريع وعنيف على جورجيا لتحسم المعركة بوقت قصير جدآ ، ويعلم جميع المتابعين لخفايا ماوراء الكواليس ان الروس لم يقرروا الولوج بمعركة جورجيا الا لايصال رسائلهم للغرب وامريكا ،وحينها وصلت الرسالة وبدأت هذه الدول وخصوصآ امريكا باعادة دراسة لسياستها الخارجية اتجاه روسيا بعد حرب جورجيا ، بعدما وصلتهم الرسالة الروسية شديدة اللهجة والانذار الاخير لهذه الدول بأن روسيا سترد على كل من يهدد امنها ومراكز نفوذها ، فمنذ تلك الواقعة نرى الموقف الغربي في تشدد احيانآ اتجاه روسيا ببعض قضايا دولية وبتوافق باحيان اخرى وبخلاف سياسي ببعض حالات، مع العلم أن هناك مجموعة من الخلافات حصلت بعد حرب جورجيا خلافات دبلوماسية احيانآ واقتصادية احيانآ اخرى وامنية ببعض احيان وتشابك وتعقيدات ببعض الملفات مثل ملف ايران النووي وكوريا الشمالية وافغانستان وغيرها من الملفات. * هل حاولت واشنطن محاصرة موسكو من خلال الربيع العربي؟!.في مطلع عام 2011 ، أنطلق ما يسمى “الربيع العربي” وبدأت هنا مرحلة جديدة فمراكز النفوذ بدأت بالتحول ومراكز القوى تغيرت، وهنا قرر الغرب انه يجب اعادة تقسيم الكعكة العربية، ومن هنا أنطلقت أولى هذه الخلافات حول الربيع العربي وتوزيع مراكز القوى فيه، بين الغرب وروسيا، وأولى هذه الخلافات كانت في ليبيا وعندها طعنت دول الغرب روسيا بالظهر في ملف ليبيا وحينها خسر الدب الروسي مركز نفوذ في المغرب العربي وشمال افريقيا كان يشكل عامل امان للروس وقوه في هذه القاره ومعبر أمان للدولة الروسية للاتساع والولوج اكثر بعلاقاتها مع باقي دول المغرب العربي وشمال افريقيا وشرقها فبعد ان ادرك الروس انهم طعنو من دول الغرب ادركو ان هناك مؤامره كبرى تستهدف مراكز نفوذهم بالمنطقة العربية. وعندما أتسع نطاق هذا الربيع العربي ووصل الى سوريا برزت الى الاحداث “الورقة السورية” وهنا استمات الروس بالدفاع السياسي والامداد اللوجستي العسكري والاقتصادي للدولة العربية السورية وجيشها العربي ،ومن مبدأ انها اذا خسرت سوريا فأنها ستخسر نفوذها وقاعدتها الاخيره وحلفها الاخير مع دول المشرق العربي، فهي بسوريا تسير بخط ونهج مستقيم غير قابل للتشكيك لانها تدافع عن نفسها اليوم من سوريا فاذا سقطت سوريا فالروس يدركون ان الهدف القادم للغرب ولو تدريجيآ سيكون روسيا ولذلك هم اليوم يستميتون بسوريا ، فساسة وجنرالات موسكو يؤكدون بمواقفهم أنهم يسيرون بسورية بخط ونهج مستقيم غير قابل للتشكيك ، ومن مبدأ أن موسكو تدافع عن نفسها اليوم من دمشق فاذا سقطت دمشق فالروس يدركون ان الهدف القادم للغرب ولو تدريجيآ سيكون موسكو ولذلك هم اليوم يستميتون بسوريا ، فهم ادركو حقيقة المؤامره الكبرى عليهم اولآ وثانيآ على الدولة السورية. * هل خسر الروس الورقة ألاوكرانية ؟؟.البعض يعتقد ان الروس كسبوا عندما انفصلت شبه جزيرة القرم عن اوكرانيا او ان الروس سيكسبون ايضآ اذا اعلنت بعض مناطق الشرق الاوكراني انفصالها عن أوكرانيا ، وهذا الموضوع بالذات هو خسارة كبيره لروسيا والروس انفسهم يدركون ذلك فهم خسروا ماكان بالامس يحسب بالمطلق عليهم وربحوا اليوم جزء من ما كان بالامس يحسب عليهم ، فهم خسروا تقريبآ الكل واستطاعوا ان يعيدوا جزء من الكل لهم وهذا بتحليل وقراءة الجغرافيا السياسية وبعلم السياسة الدولية هو خساره سياسية وامنية فادحة بالنسبة للروس ، فاليوم هم اصبحوا شبه محاصرين فمن الشرق والشمال نصبت الدرع الصاروخية الامريكية والجنوب والغرب بدأ تدريجيآ يخرج عن نفوذهم، وبوتين نفسه يدرك حقيقة هذه الاخطار. * ختامآ ،ما التكهنات المستقبلية المتوقعة للرد الروسي على واشنطن وحلفائها ؟؟.والسؤال الان هل ترضخ روسيا امام كل هذه الضغوط، التي تفرضها عليها واشنطن وحلفائها اقتصاديآ وامنيآ وسياسيآ ، أم ان الدب الروسي سيكشر عن انيابه من جديد ليعيد الكره إلى الملعب الاول عن طريق الولوج بمعركة غير مباشرة مع واشنطن وتكون بدايتها من دونيتسك ولوغانسك ، والهدف من هذا العمل العسكري “المتوقع″ هو ايصال رسائل موسكو مجددآ للغرب وحلفائه بأن الروس موجودين ولن يتنازلوا وسيستمروا بالتوسع بكل الاتجاهات، أم أننا سوف نرى انكفاء روسي واعادة تموضع لروسيا لاعادة ترتيب اوراقها من جديد وخصوصآ بالداخل الروسي الذي بدأت ملامح رياح الغرب وفتنهم السامة تحرك بعض من فيه للمطالبه للانفصال عن الجمهورية الاتحادية الروسية ،وهنا سنترك كل هذه التكهنات للقادم من الايام لتجيبنا عليها وتعطينا صورة أوضح لملامح وشكل موازين القوى بالعالم الجديد التي يتم صنع موازين القوى ومراكز النفوذ فيه من جديد .
[email protected]