18 ديسمبر، 2024 11:10 م

إلى صديقي الجنرال …

إلى صديقي الجنرال …

تمضي سنين وأعوام.. بدون سابق إنذار.. تسقط الأقنعة أرضا.. واحدة تلوى الأخرى.. كأوراق الأشجار.. هكذا تنطفئ الأنوار.. هكذا تنتهي الأحلام.. ليس كل وقوع يحدث صوتا مدوا.. فالبعض يسقط من عينيك.. دمعا.. والآخر يسقط من قلبك.. دما.. والآخر يرحل عنك تلقائيا.. للسقوط والرحيل أسباب.. إلا أن الألم والعذاب واحد..
تمضي سنين وأعوام.. وحال البلاد كما الحال.. في نفس المكان والزمان.. نلتقي نحن الاثنين.. يجلس صديقي الجنرال.. على الأريكة المجاورة متكأ.. مثل السلطان.. يرتشف قهوة المساء.. صامتا.. صامدا.. في وجه الرياح.. يحاول إغلاق صفحات الماضي.. معاندا.. يحاول الإفلات من طباعه.. مجهدا.. كمن يحاول الإفلات من العقاب.. مضطرا.. غارقا في ذكريات الشباب.. توحي بها رائحة المكان.. فبين الآراء المتضاربة ودخان السجائر المسجلة.. تسكنه رغبة في الانتقام.. عفوا في الانتقال.. تفضحه أطرافه المرتعشة كالزلزال.. فتارة تراه مرتبكا أينما ارتباك.. معلنا انضمامه لليأس.. زوبعة في فنجان.. معلنا رغبته في الرحيل.. بعد أن ضاق به المكان.. وتارة أخرى تراه هادئا كأمواج البحر.. يوحي بجنة الفردوس.. هكذا يبدو صديقي غريب الاطوار.. صوته رعد.. زمهرير.. وزئير.. غضبه لعنة وجحيم.. كأي عاشق ولهان.. مولع بأدق التفاصيل.. وفي لأسلوبه.. لعاداته.. لعطره.. لنسائه.. من خلف الإطارات السوداء، يراقب نجوم السماء.. يترقب هبوب الرياح.. قد تأتي أو لا تأتي.. يراقب نبض قلبه المسكين.. كلما مرت عاصفة بجنبه.. بعين المتيم الولهان.. ينظر إليها خلسة مراقبا الأحوال.. فبين العبقرية وجنون الإنسان.. يكمن سر من الأسرار.. يوجد خيط رفيع.. فهل أنت مدرك الأمر؟.. قد يبدو لك الشبه بيني وبينهن كبيرا.. لا بأس عليك، فعادة ما تكون المظاهر خادعة..
ما لي أراك متنهدا تلملم الجراح.. تسافر بعينك بين السهول والهضاب.. تبحث عن شيء لست تعرفه.. سوف تبحث عنها في كل مكان.. بعدما أصبحت فرصة بين الأنقاض.. تبحث عن مكان ترسو فيها بشراعك.. عن جرعة أمل.. توصلك لبر الأمان.. عن قطار للأسف مر من حولك منذ أعوام.. فبين العادية والمألوفة.. وبين المعقدة والمركبة.. مسافات نقاس بالأضواء.. حدد موقفك.. قلي، من أنت؟.. لا تكن مزاجيا مثل الأطفال.. ولا تحلق مثل الفراشات بين الأزهار.. تبحث عن رحيق بين الدروب.. عن حب تشهد عنه حاملات الصدور.. كم من قصيدة ألفتها.. كم من أغنية غنيتها.. كم من ليلة حمراء كنت بطلا فيها.. كم دفعت من مال.. وكم أشعلت من سيجارة.. وسكبت من كوب فارغ.. لجارية اختزلتها في جسد مغتصب.. موصوم بالعار وبالخطأ.. اختزلتك بدورها في لحظة من لحظات الألم الممزوج بالندم.. يا رجلا دمرت كل المكتسبات مقابل رعشة.. نشوة.. نزوة.. كم دفعت من مال كي تحصل على اعتراف.. مزيف.. من بائعة باعت جسدها في المزاد.. أنت لم تشتر الهوى.. بل أنت مثلها تباع وتشترى في المزاد.. لن تشفع لك النسب ولا الرتب.. ومتى كانت ممارسة الاحتقار وتذليل الذات من رباعيات الخيام؟.. ومتى كان الود ممكنا بين الضحية والجلاد ؟..
تبحث عن الجميلات.. كي تبدو أكثر جمالا.. تلاحقهن كي تبدو اصغر سنا.. يا زير النساء.. أنت في قبضة الوشم والوهم.. هذا كل ما في الأمر.. اتهاماتك لي لا تناسبني.. أنا لا أغار من العاهرات والغلمان.. أنا جبل لا ينهار.. أنا لا استعطف الملوك والأمراء مهما كان.. بل أعرف جيدا كيف أجلهم يعتذرون لي ولو مر ألف عام.. أنا لا أتقن المدح والغزل ولا أعرف للمجاملة وللنفاق طريقا.. فلا تطلب مني أن أكون امرأة أخرى.. سوى التي أفرزها النظام.. لا تقل عني معارضة أرجوك.. بل قل عني ناقدة أبا عن جد.. أعرف جيدا كيف أسامح من يخطأ سهوا.. وأعرف كذلك كيف ألسع كل من حاول استفزازي عمدا.. فلا توقظ بركاني الخامد أرجوك..
يا زير نساء.. رفقا بهن.. رفقا بقلبك المسكين.. المرأة لا تحتاج إلى من يفتح باب سيارتها.. أو يسكب المدام بكأسها.. أو ينفخ كالتنين الدخان في وجهها.. المرأة لا تحتاج لمن يغازلها في الخمارات والمقاهي.. أو يدفع ثمن شقتها الغالي.. أو يشتري جسدها كأي جارية أو دمية في العلالي.. المرأة، لا تحتاج إلى من يتربص بها في العراء.. أو يوقد غيرتها.. عفوا سيجارتها.. حتى ولو طلبت منه ذلك.. المرأة لا تحتاج إلى من يحمل بدلا عنها قفطانها المرصع.. المرأة تحتاج لنظام يحميها.. لمن يحمل السلاح في وجه من يظلمها.. فلا تزد أنت من همها.. بعدما أقسمت أن تحمي الوطن من اجلها.. بعدما أعلنت ان حمايتها، ركن من الأركان العامة.. المرأة تحتاج لوطن كبير.. تستحق أن تنشده في المحافل.. وطن يضع كل الخيارات بين يديها.. لكي تختار عشيقها برضاها.. فإن عاشت، عاشت شامخة مثل الجبال.. وإن ماتت تموت واقفة مثل الأشجار.. فدعني أقوم بواجبي نحوها.. وقم أنت بواجبك لحمايتي من الشيطان..