هاهو الربيع يطرق أبوابنا من جديد، وكما قال أبو وحيد: (آد الربيع عاد من تاني.. والبدر هلت أنواره.. وفين حبيبي اللي رماني.. من جنة الحب لناره).
معلوم أن الأزهار تبتشر أساريرها وتتفتح أوراقها بقدوم فصل الربيع، ومعلوم أيضا أن النسائم ترق والأجواء تحلو مع حلوله، وليس خفيا أيضا، أن النفوس تطيب وتطمئن وتستكن، وهي تتعايش في مربع يانع حيث الماء والخضراء، والماء هنا يفي بالمطلوب سواء أجدولا كان أم بحيرة أم شلالا أم نافورة، غير أن للوجه الحسن مكانا لا يملأه غيره، ولحضوره في الساحة ضرورة لايمكن الاستغناء عنها، وشغور مكانه يُذهب بحسنات الماء والخضراء على حد سواء، وكما قيل: (جنة بغير أوادم ماتنسكن). وبذا يكون الوجه الحسن سيد الموقف، وله دور البطولة في المشهد المعاش، حيث لاقيمة لباقي المعطيات دون وجوده، وقد قالت صاحبة الدارمي مصباح العيد حين افتقدت من تحب:
إلمن كحل حطيت والمن تحنيت
عيد ويلم أحباب ليش انت ما جيت
ويضيّق الوجه الحسن الخناق على عاشقه، حيث يفرض وجوده في كل تفاصيل يومياته، حتى في شرب الشاي، إذ لايهنأ (استكان الچاي) إلا معه، وقد أقرت صديقة الملاية هذا قبل مايقرب من مئة عام، حيث صدحت:
أحلف ما أخدره.. ولا اشوف استكانه
إلا يجي المحبوب.. واتمعنى بجماله
ويمضي المحبوب قدما في فرض حضوره شخصيا وحتميا لتكتمل الجلسات بهاء وسرورا، إذ له قصب السبق وبصمة فريدة في سجل الحضور لاينافسه فيها أحد، وقد صدق رياض أحمد حين قال:
الناس تتنطر العيد.. وانا اظل انطر هلاله
وعلى ذكر الهلال، لنعرج على القمر، فهما عنوان المحبوب في أطواره كلها، ولنستذكر ماقاله ابن زيدون، فقد أدرك المسكين أن القمر الذي في السماء بديل عن قمره في الأرض، يوم يصعب اللقاء بالأخير، ومعلوم أن الأصيل ليس كالبديل بتاتا، لكن كما نقول: (من لا چاره)، يقول ابن زيدون:
ياليل طل أو لاتطل
فسيان عندي أن أسهرك
لو بات عندي قمري
مابت أرعى قمرك
ولم يفت شاعر الدارمي تثبيت معاناته مع الليل بغياب المحبوب، فراح يتساءل شاكيا ومعاتبا:
شمالك طلت ياليل ونجومك تلص
من چنت ويه هواي چلمة وتخلص
ويستمر دور البطولة حكرا على المحبوب، ويبقى زمام السيطرة بيده بدليل قول أم كلثوم:
ويوم ما تسعدني بقربك.. ألاقي كل الناس أحباب
ويفيض علي نور حبك.. وأقول مافيش في الحب عذاب
وبناءً على هذا، فإني أقر في سطوري هذه، أن الحبيب أولى بكل حرف جاء فيها من الذين نفد فيهم حبر دواتي في مقالاتي سنوات طوالا، وهو أحق منهم باهتمامي، أولئك هم ساسة العراق الجديد، المصرون على إبقائه في مربعه ماقبل الأول، فوداعا ياساسة الـ (نص ردن) بل ربعه وعُشر عُشره. ولعلي أوفق في الاستشهاد ببيت دارمي قاله عاشق، يوم شعر أن محبوبته لم تكن بمستوى عشقه وتضحيته لها، وأعيد توجيهه (forward) إلى ساستنا، حيث قال:
نص حرف ما تسوين گلته على شانچ
چلبه انت مال دروب ردي لمچانچ
[email protected]