في زمن الانقسام الطائفي، لا يعود التاريخ مادة للبحث، بل مادة للتجنيد العاطفي.
وما أشدّ الغرابة حين ترى أن العقل الشيعي الجمعي، بكل ما يدّعيه من عمق وولاء لـ”أهل البيت”، قد انقلب على التاريخ نفسه، وأعاد كتابته بمنهج “العزاء لا الوثائق”، و”اللطم لا المراجع”.
دعونا نسأل بوضوح:
أين ترك الشيعة تاريخ أئمتهم؟
لماذا يختارون من حياة الأئمة مشاهد الألم والقتل، ويتجاهلون مشاهد المصالحة، البيعة، أو حتى الزواج السياسي من خلفاء بني أمية والعباس؟
هل التاريخ يُقرأ بالدموع فقط؟ أم بالعقل والتجرد؟
الواقع يقول: هناك تاريخ حقيقي نقرأه في كتب الطبري، ، والمسعودي، وابن الأثير، والإرشاد للمفيد ،والكافي للكليني وتاريخ آخر مخترع يُروى في المجالس، تحت الأضواء الخافتة، بصوت يرتجف من الحزن… لكنه يرتجف أيضًا من الحقيقة.
كيف نفسّر أن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، الذي يُعد أول الأئمة، بايع الخلفاء الثلاثة، وشارك في الشورى؟
الحسن بن علي، صالح معاوية، وسلّم له الحكم، .
لكن الشيعة لم يسامحوه على ذلك.
جعلوا منه “الإمام المظلوم”، ودفنوا فعله في طيات التنازل والهزيمة، لأنهم لا يريدون قائداً عاقلاً… بل شهيدًا دائمًا.
زين العابدين، من نجا من كربلاء، عاش تحت سلطة يزيد، وبايعه، ولم يثر.
لماذا لا يُروى ذلك في مناهج الشيعة؟
أليس هو إمام معصوم بحسب اعتقادهم؟ فهل كانت مبايعته ليزيد خيانة ؟
وهنا نسأل بجرأة: إذا كانت البيعة خيانة، فلماذا فعلها أئمتكم؟ وإن لم تكن خيانة، فلماذا تحاسبون من قبلهم وبعدهم على نفس الفعل؟
أما جعفر الصادق، فلطالما قُدّم كـ”مؤسس المذهب”، مع أن رواياته موزعة بين فقه سني وشيعي، ومعظم ما نُسب إليه من علوم، كالكيمياء والفلك، ليس له أصل تاريخي علمي واضح، بل اجتهادات لاحقة أُلصقت به بعد وفاته.
علي الرضا، الإمام الثامن، لم يكن فقط تحت سلطة العباسيين، بل ولّي العهد للمأمون العباسي!
هل هذا دليل على صراع؟ أم دليل على انسجام سياسي ومصالح مشتركة؟
كيف يُفسّر الشيعي هذا وهو يؤمن أن الإمام لا يُهادن ظالمًا؟
ثم نصل إلى “المهدي المنتظر”، الذي لا يوجد عليه دليل تاريخي قطعي، غاب منذ أكثر من 1000 عام، وبُنيت على غيابه أساطير تبرر غياب المشروع، وغياب المسؤولية، وغياب التغيير.
كل هذه الوقائع ليست خفية، بل موجودة في المصادر الشيعية نفسها، لمن أراد أن يقرأ، لا أن يُتلى عليه.
لكن المشكلة ليست في النصوص، بل في العقل الطائفي الذي يختار من التاريخ ما يوافق الرواية المقدسة، ويُقصي كل ما يُربك البكاء، أو يُزعج اللطم.
أيها العقل الشيعي،
اقرأ إن شئت أن تفهم.
ولا تخف من الحقيقة… فالله لا يُعبد بالكذب، ولا تُنصر العقيدة بالتزييف.
إن كنت ترى أن حب أهل البيت يوجب تأليههم وتزوير مواقفهم،
فاعلم أنك لم تعد محبًا… بل صانع خرافة.
ختامًا:
الحقيقة لا تخيف إلا من بنى إيمانه على الأسطورة.
أما من بنى إيمانه على العلم، فالتاريخ صديقه لا عدوه.