23 ديسمبر، 2024 12:02 م

إلى السيد بان كي مون / الامين العام للأمم المتحدة

إلى السيد بان كي مون / الامين العام للأمم المتحدة

لكم التحية والاحترام:
لا شك أنكم تعرفون الظروف القاسية لكل مظاهر الظلم الاجتماعي الواقع على ما يقرب من مليوني نازح عراقي هجروا مدنهم وقراهم بعد يوم 10 – 6 – 2014 بحثاً عن مكانٍ آمن يقيهم من بطش وجبروت تنظيم الدولة الاسلامية (داعش). النازحون ،الآن، يعيشون تحت خاصية ظالمة ، معاناة وتوترات، ناتجة عن ظروفٍ قاهرةٍ ، لاإنسانية.  جلّهم يعيش في مخيمات تفتقر إلى أبسط الخدمات . كثير منهم ينشغل في الشتاء البارد والحر القاسي بدفن موتاه من الأطفال والشيوخ ، بل أنهم يدفنون حتى فتياناً أقدموا على الانتحار .

معاناة النازحين العراقيين أقسى وأبشع من معاناة الناس، الذين واجهوا  نفس التصنيف البائس إثر سقوط الامبراطوريات العثمانية والنمساوية والجرمانية، وفي اثناء الحروب النابليونية ، والغزوات الصليبية  .  لقد ازداد وضع اللاجئين والمهجرين والنازحين عن ديارهم  انحطاطاً خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية ، مما دفع الضمير الانساني إلى تشكيل لجنة اللاجئين الدولية عام 1943 لرعاية وحماية جميع الاشخاص أيـّاً  كانوا ، ممن اضطرتهم الحوادث في أوربا إلى أن يرحلوا أو ممن ازمعوا الرحيل عن بلدان إقامتهم تفادياً للخطر على أرواحهم وحرياتهم بسبب عرقهم أو ديانتهم أو مذاهبهم السياسية.

لكن مشكلة النازحين العراقيين بدأت في بلادنا متفاقمة من أولها ، لأن الجهات المعنية بقضاياهم ليست مؤهلة حيث (وزارة الهجرة والمهجرين ) ما زالت تعاني نقصاً في مجهودها . ليس عندها أي نظام متكامل لخدماتها إضافة إلى أن الوضع المالي في خزينة الدولة العراقية أصبح غير مؤهل، تماماً،  بسبب أزمة العائدات الريعية بعد انخفاض اسعار النفط ، حيث اعتمدت الوزارة على تكديس النازحين في مدنٍ من خيام ومدنٍ من كرفان،  مدنٍ بلا خدمات انسانية ملائمة لتوفير حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية.

واقع حياة النازحين العراقيين صار مؤلماً جداً.  لم تعد مدنهم وسكانها عاملاً من عوامل التغيير الاجتماعي بعد فقدانهم شرط استقرار حياتهم . توقف دورهم في (التنمية الانتاجية). اصبح افراد المليونين النازحين فاقدين للروح  الخلاقة ، فاقدين القدرة على التفكير الحر، والابتكار الحر، والعطاء الحر . استسلموا جميعاً أمام صعاب الحياة اليومية لأسباب لا عقلانية.

صار المواطن التكريتي او الدليمي او الموصلي او الكركوكلي أو من ديالى غريباً في وطنه العراق . صار يشعر أنه غير محمي في (مخيّم) يعاني من سلب وثائقه ، التي قام بها (تنظيم داعش). صار لا يستطيع إثبات هويته ، مما قد يؤدي حتى إلى صعوبات جديدة  بعد عودته إلى مدينته ، لفقدانه وثائقه الاصلية ، خاصة وأن وزارة الهجرة والمهجرين تفتقر إلى الخبرة والمناهج الصحيحة بــ(إدارة اللاجئين) وتنظيم (معسكرات اللجوء) المتوفر لدى جمعية اسعاف اللاجئين الدولية (الاونروا)  التي كانت هيئة الامم المتحدة قد شكلتها قبل نهاية الحرب العالمية الثانية .

مراكز (احتشاد النازحين) في بلادنا  انيطت ادارتها بسلطات وجهات ولجان، كل واحدة منها تتهم الاخرى بالفساد المالي والإداري و سرقة اموال الغذاء والماء والدواء والكساء. لا حماية من الامراض السارية ولا ضمان ضد امتهان كرامة الانسان المنافية للمادتين 13 و14 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان .

ليس للنازحين ، الآن،  معين حقيقي غير المنظمات العالمية الانسانية، ايها السيد الامين العام. النازحون ينتظرون منكم موقفاً إنسانياً لم تتداولونه ،حتى الان ، كواجب من واجباتكم الاساسية.. ينتظرون من منظماتكم  خيراً ملحاً لمعالجة  مصاعب حياة حوالي مليونين من الناس، الذين تدفقوا من مدنهم الاصلية الى مدن (الضيافة) و(الحماية) بسرعة وخوف، لم يجدوا فيها ،حتى الان، استقراراً نسبياً مطلوباً توفيره إلى حين تسمح الظروف بعودتهم إلى مسكنهم الاصلي قبل أن تفتك ببعضهم  امراض معدية .

في بلادنا، أيها الامين العام، توجد سلطات حكومية (منفعلة) ليست (فاعلة). لديها (منظور اجتماعي) لمشكلة النازحين لكنها لا تملك ا(لقدرة) على صياغة ثقافة، انسانية، عملية ، تنتشل النازحين من بؤس ما يعانون. لذلك فأن نقــّاد ما بعد البؤس، يتوقعون أن تتحول منظماتكم من منظمات سلوكية تعني فقط بالأقوال الكثيرة دون مستوى الافعال الكثيرة ، وإلاّ فأن  استمراركم ، ايها الامين العام ،على حال الانغلاق والتردد والقبول  بواقع اجتماعي، مادي ونفسي، بائس وخطير، في أحوال النازحين العراقيين، لا يؤدي لغير الافراط في بؤسهم واغترابهم ،مما يرفضه ضمير الانسانية في كل زمان ومكان .

ختاماً اسمحوا لي بتذكيركم أن الإجراءات البدائية، يا سيدي الأمين العام ،  لا تتمكن من القضاء على العسف البربري ونتائجه .