من منا لايسعى إلى تحقيق العيش الكريم؟ ومن منا لايود أن يقضي حياته بسلام ووئام؟ ومن منا لا يحب تغيير مفردات من حياته اليومية، شرط أن تكون إلى الأحسن طبعا؟ أسئلة لا أظن أحدا يخالفني على الإجابة عنها، ولعل في طرح السؤال وانتقاء الجواب المناسب والصائب والإيجابي تحقيق نصف المسافة في مسيرة الألف ميل.
في تظاهرات الخامس والعشرين من الشهر الجاري، توجس كثير من العراقيين وارتابوا مما سيحدث فيها، أو ما يعقبها من تبعات، وفي الحقيقة أن الحرص على البلاد ومستقبلها هو الدافع إلى هذا القلق. وقطعا لا يمكن القول هنا في هذا الظرف الحرج الذي يمر به العراق “سيري وعين الله ترعاك”. نعم، تبارك جل وعلا بإتمام نعمته علينا لكن، علينا صونها على أتم وجه، وحمده على أحسن الوجوه.
التظاهر الذي انطلق أمس الجمعة، علينا أن نعتمده كخط شروع للوصول إلى أهداف نبيلة لا إلى مفترق طرق، حيث لا ينكر أن كثيرا من التظاهرات السابقة، لم تأتِ أكلها هنيئة مريئة، بل على العكس، فقد اندلقت على الشعب العراقي مصائب ومصاعب أثقلت عليه همومه، وزادت الطين بلة، فانطبق عليه مثلنا الشعبي: “يابو حسين چنت بوحدة صرت باثنين”. والعراقيون بعد أن زال عنهم شبح الدكتاتورية، وتعايشوا بفضل مواقع التواصل الاجتماعي مع مواطنين من بلدان وشعوب أخرى، تفتحت أذهانهم وأنيرت بصائرهم على طبيعة الحياة التي تليق بهم، وبذا يكون الأولى بهم والأحرى والأكثر جدوى، أن يختاروا طريقهم في تظاهراتهم بعقلانية وحنكة ودراية تامة بما ستؤول إليه، وأن لايجعلوا بوصلة طلباتهم تشير إلى الاتجاه المغاير لطموحاتهم وتطلعاتهم.
ومن المؤكد أن جهات عديدة تتصيد في عكر المياه، وأولها طبعا أمريكا، فلو افترضنا -لاسمح الله- أن التظاهرات تفاقمت إلى أعمال عنف، وأدار المتظاهرون دفة سفينتهم صوب الأمواج العاتية، ما الذي يحدث حينها؟ لاشك أن الخاسر الأول والأخير هو المواطن المتظاهر نفسه، والرابح الأول والأخير هو أمريكا والمتربصون للعراق ليلتهموا خيراته.
هو نداء من كل عراقي أصيل موجه إلى السادة المتظاهرين:
– حافظوا على سلمية تظاهركم وكونوا بمستوى المسؤولية، فعوائلكم تنتظر منكم إيجابيات.
– قلب الطاولة ودعوات إسقاط الحكومة والبرلمان ليست لصالحكم، إذ ستُفتح الأبواب حينها على مصاريعها ليمرر أعداؤكم مخططاتهم.
– طالبوا بحقوقكم المشروعة دستوريا، دون المساس بالحقوق والممتلكات المعنوية والمادية العامة والخاصة.
– دعوا الأخيار ممن يشهد لهم تأريخهم المهني والأخلاقي بالسمعة الحسنة أن يمثلوكم، وينطقوا باسمكم ويطالبوا بحقوقكم.
– لا يغركم الغرور بنداءات التصعيد وإثارة النعرات الطائفية والطبقية، حاربوها بسلمية تظاهركم وشرعية مطالبكم.
– اعلموا أن أعداءكم يتحينون الفرص كي يوقعوا بكم من خلال المنشورات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن أردتم الانصياع، فانصاعوا إلى نداء وطنكم الذي لم يبخل عليكم بماء دجلة والفرات، وثمرات نخله وشجره من البصرة إلى زاخو، وتذكروا أنه الأم التي ترعاكم وتحتضنكم في جميع أحوالكم، سواء أحلوة كانت أم مرة!.