القسم الخامس
لقد نصت المادة (34/ ثانيا) من الدستور لسنة 2005 ، على أن ( التعليم المجاني حق لكل العراقيين في كل مراحله ) . مع إن جزء من ذلك ليس بالجديد ، فقد نصت المادة (8) من قانون المعارف العامة رقم (28) لسنة 1929 على أن ( التحصيل في المدارس الإبتدائية الأميرية مجاني لجميع التلاميذ ) ، والمدارس الإبتدائية الأميرية هي التي يقصد بها المدارس الحكومية ؟!. التي تم بيعها بثمن بخس لتجار السحت الحرام ، فالتوسع في تطبيق نظام التعليم الأهلي بعد الإحتلال ، فرض تقليص المعايير والشروط المطلوب توفرها في الأبنية المدرسية ، وذلك بتحويل أبنية السكن العائلي إلى مدارس أهلية ببدلات أيجار مرتفعة ، ساهمت في زيادة إستفحال حجم أزمة السكن في البلاد ، كما إن مجانية وإلزامية التعليم في المرحلة المذكورة ، موجبتان لعدم جعل التعليم الإبتدائي رهينة إستثمارات القطاع الخاص ، وتلك من الطامات الكبرى في تأريخ مجانية التعليم في العراق منذ إقراره في العام 1929 ، وإلزاميته في المرحلة الإبتدائية منذ العام 1940 بموجب المادة (10) من قانون المعارف العامة رقم (57) للعام المذكور . إضافة إلى أن قرار مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) رقم (102) في 7/2/1974 ، قد نص على أن ( يكون التعليم مجانيا بما في ذلك الكتب المدرسية ونشاطاته الإجتماعية والرياضية في جميع مراحل الدراسة الرسمية جميعها ، بما في ذلك رياض الأطفال والمعاهد والجامعات الرسمية . وعدم تحميل الطلبة أية نفقات ترتبها مستلزمات تلك الدراسة وأنشطتها ) ، وهو ما يتفق مع ما ورد في المادة (9) من قانون وزارة التربية رقم (22) لسنة 2011 ، حيث ( يكون التعليم في رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والمراكز التابعة للوزارة مجانا ) ، مما يبرهن على أن مجانية التعليم ليست من نتاج العام 2011 ، كما أسست وزارة التربية سنة 2011 أيضا خلافا لكل الوقائع والحقائق الدامغة تأريخيا ؟!. كما نصت المادة (11/أولا) من قانون الوزارة على أن ( التعليم الإبتدائي عام وموحد وإلزامي … ) ، وعليه لا تستطيع المدارس الأهلية تحويل أو تغيير صفاته ، بإعتباره من الأساس والأصل عاما وليس خاصا ، وموحدا بوسائله وأساليبه التعليمية وليس مختلفا ، وإلزاميا وليس إختياريا ، ومجانيا وليس مقابل أجر سنوي أو شهري تفرضه جهات الإستثمار غير التربوي ؟!، ولتقاطع إستحصال الأجور وتعارضها مع التوجهات السياسة التربوية التي تتبناها الدولة ، ومسؤوليتها المباشرة في كفالة التعليم وتهيأة مستلزماته من الأبنية وأدوات التعليم ووسائل الإيضاح ، بإعتباره من الخدمات والحقوق العامة التي لا ينصرف التكليف بها لغيرها ، فإن ما جاءت به المادة (30/أولا/ج) من القانون ، من أن ( للوزير منح الشخص الطبيعي أو المعنوي العراقي ، إجازة فتح مدرسة إبتدائية أو ثانوية أهلية ) يخالف التوجهات التربوية الرصينة ، وإن تم بناؤها التشريعي على وفق مبدأ الجواز بعد الإحتلال البغيض ، المساعد على إلغائها بدلا من إستحسان شمولها بإعادة النظر كما يرى البعض ؟!. كما إن التعليم الخاص والأهلي المكفول دستوريا حسب نص المادة (34/رابعا) منه ، لم ينظم بقانون ؟!، وإنما تم الإكتفاء بما هو مثبت في بعض مواد قانون وزارة التربية رقم (22) لسنة 2011 ، ونظام التعليم الأهلي والأجنبي بالرقم (5) لسنة 2013 ، والتعليمات رقم (1) لسنة 2014 الخاصة بمنح الإجازة التأسيسية للمدارس الأهلية والأجنبية ، ولا أدري كيف تم التوفيق والإنسجام والترابط في السياسة التربوية الجديدة ، بين مجانية التعليم وبين جعل التعليم مقابل أجر . لايقوى فقراء الشعب على تأديته ، حين يرون إنخفاض المستوى التعليمي في المدارس الحكومية ، بسبب التقاطعات والتناقضات الفكرية والتشريعية التربوية ؟!.
وبعد كل تلك المعوقات والإشكاليات والمنغصات ، تقدمت في 4/4/2017 بالدعوى لدى محكمة البداءة على وزير التربية إضافة لوظيفته ، بخصوص عدم تطبيق وزارة التربية للتشريعات المتعلقة بفتح المدارس الأهلية ، وإلغاء إجازة تأسيس المدرسة المذكورة أو نقلها إلى عقار آخر ، منعا لإستمرار الأذى والضرر وتداعياتهما السلبية , وبعد ثلاث جلسات لم يحضرها ممثل الوزير ، صدر قرار المحكمة بأن موضوع الدعوى يخرج عن الإختصاص النوعي لمحكمة البداءة لوقوعه ضمن إختصاص المحكمة الإدارية ، وإقترن ذلك بمصادقة محكمة التمييز الإتحادية ، ووددت حينها في توجيه محكمة البداءة من قبل محكمة التمييز ، إلى وجوب ملاحظة ذلك إبتداء وقبل بذل كل ذلك الوقت والجهد والكلفة فيما لا فائدة منه . ولذات الأسباب تقدمت بطلب الدعوى المؤرخة في 9/7/2017 إلى محكمة القضاء الإداري ، موضحا بأن عديد المراجعات والشكاوى المقدمة إلى السيد وزر التربية ومسؤولي دوائر وزارته ، تؤكد ثبوت التجاوزات القانونية والإدارية ، وما الحجج الواهية وأساليب المماطلة والتسويف الإدعاءات الكاذبة ، المتمثلة بإجراءات الوزارة المخالفة للقانون والنظام والتعليمات ، وعدم إلتزام إدارة ومؤسسي المدرسة بالتعليمات والتوجيهات التربوية ، حالت دون معالجة الموضوع ، وأدت إلى التمادي والإصرار على إتباع جميع أنواع المخالفات ، متجاوزن بذلك حدود الشرع والقانون في عدم إحترام حق الإرتفاق ( حق مقرر على عقار لمنفعة عقار آخر ) ، ولكن المحكمة قررت رد الدعوى شكلا ، لمرور فترة طويلة على تقديم طلب التظلم حسب رأيها ؟!، كما إقترن ذلك بمصادقة المحكمة الإدارية العليا في 1/8/2019 ؟!.
إن متابعة الموضوع في وزارة التربية والمحاكم ومديرية التنفيذ والدوائر ذات العلاقة للمدة من 24/11/2014 ولغاية 1/8/2019 ، لم تثمر عن شيء ، إلا أنها تستحق كل تلك المشقة والعناء ، لأنها كشفت سوء الإدارة وغلبة الإجراءات الشكلية وإتباع الآليات الروتينية المعقدة ، التي نضعها بين يدي دعاة الإصلاح والتغيير من المسؤولين وغيرهم ، والتي يجب تغييرها برعاية جوهر الموضوعات دون قشورها ، والإهتمام بتبسيط قواعدها التشريعية والإدارية وبما يؤدي إلى تقليص حلقات الإنجاز على أرض الواقع خدمة للصالح العام .