إن وطننا العراق يدخل في هذه الأيام – مكرهاً لا مختاراً – إلى منعطف خطير جداً، ربما يكون أشد وطأة مما عصفت به سنوات ما بعد 2006، وما رافقها من أحداث طائفية مؤسفة راح ضحيتها آلاف العراقيين، ومن جميع الطوائف والأديان. إن قدرنا اليوم أن نكون شاهدين (وللمرة الثانية) على وضع أكثر خطورة من ذي قبل، إلا إننا لن نقف مكتوفي الأيدي بإزائه، بل علينا جميعاً العمل على التقليل من إندفاعة المواطنين العراقيين وبخاصة فئة الشباب، بإتجاه التخندق الطائفي عبر التصريحات الإعلامية أو الأخبار والقصص والصور والفيديوهات المتداولة في وسائل التواصل الإجتماعي. فالواجب الوطني والواجب الصحفي يحتمان علينا أن نحث أنفسنا ونحث المدونين والصحفيين على العمل بمهنية وبضمير حاضر، للحفاظ على السلم الأهلي بدلاً عن الحرب الأهلية، وبث الأمل بالحياة بدلاً عن الموت والقتل، والتوحد بين أبناء الوطن الواحد بدلاً عن التمزق والتشرذم، ولذلك يجب علينا جميعاً مغادرة الخطاب الطائفي في جميع ما نبثه من أخبار وقصص. إن ما تعلمناه في الدراسة بشكل عام، والعمل الصحفي على وجه الخصوص يؤكد على ذلك المطلب النبيل الذي أرجو منكم العمل على تحقيقه، والذي يتلخص بتجنب استخدام لغة الحض على الكراهية، واستكشاف أفكار تحقيق السلام بين أفراد المجتمع لتحقيق السلم الأهلي، ومتابعة ونشر الجهود التي من الممكن أن تحل الصراع أو المشكلة. إن الوطن أهم من السبق الصحفي، وإن الطمأنينة والوئام بين أبناء المجتمع العراقي أهم من جمع الإعجابات والتعليقات على صفحات الفيسبوك، وإن حياة أهلنا وإخوتنا وأبنائنا في جميع المدن أهم من نشر صورة تشعل الحقد بين العراقيين سنة وشيعة، عرباً وأكراد وتركمان. وعندما تعلو الأصوات النشاز في جميع الإتجاهات سوف يخفت صوت المحبة، وسيكون لها وقع الموت الذي يحدق بالجميع دون استثناء. لقد كتبنا، ونشرنا، وعلقنا، ورفعنا صوراً ومقاطع فيديو، وعلق الآخرون على كتاباتنا، وأوصلنا رسائلنا الملغزة بالحب حيناً، وبالكره حيناً آخر، والمشوبة بالعتب حيناً، وبالحقد الدفين حيناً آخر، ولكن ماذا بعد ذلك؟ الحرب الأهلية بين العراقيين؟ تقسيم العراق إلى دويلات ضعيفة ومتناحرة؟ إنه الطوفان الذي يدمر كل شيء، والجراد الذي يأكل الأخضر واليابس. وبينما تعيش بلدان مجاورة لنا هناءة العيش، بعد أن أغلقت حدودها جيداً، وأمنت داخلها، وتوحد صحفيوها والإعلاميون والمدونون فيها على كلمة سواء هي: الوطن، نموت نحن يومياً بسبب إنجرارنا خلف شعارات زائفة تخطف الأبصار والأعمار معاً، فتهدم البيوت وتتشرد العوائل. إن الشر الذي يحدق بنا يستهدف القريب قبل البعيد، ولا يفرق بين طائفة وأخرى، ومن يقف معه- بالقول أو بالفعل- سوف يدفع الثمن مضاعفاً.
لقد كانت أسراب المغول تغري الناس والجند والأمراء بالإستسلام وفتح الأسوار والأبواب، وحينما تدق ساعة الحقيقة، تبدأ السيوف بحصد الرؤوس دون تفريق. لقد دفعت الهند ثمناً باهضاً حينما تم تقسيمها إلى دولتين: الهند وباكستان ثم إلى ثلاث دول: الهند وباكستان وبنغلادش. وتسبب هذا التقسيم في صراع بين الدولتين الهندية والباكستانية حديثتي النشأة أدى إلى تشريد 12 مليون نسمة مع تقديرات خسائر الأرواح تتراوح من مئات الآلاف إلى المليون نسمة (وتتراوح معظم التقديرات لعدد العابرين للحدود الهندية الباكستانية في عام 1947 بين 10 و12 مليون). لقد تسببت الطبيعة العنيفة التي أدت إلى التقسيم كالمذابح وحرق المدن والقرى والتهجير القسري في خلق مناخ من العداء المتواصل والشك المتبادل بين الهند وباكستان، وبقيت ذكراها المؤلمة ماثلة حتى اليوم. فهل يريد العراقيون أن يكرروا نفس تلك المأساة؟