22 ديسمبر، 2024 2:04 م

مما يتفطر له القلب كمداً وغماً، وتذوب له الأحشاء ألماً وحزناً، ويتمزق له الكبد أسىَ وتوجعاً، ويتيه الحليم حيراناً، ويشيب له الولدان؛ لهول ما حدث لهذه الثورة السورية العظيمة، الفريدة من نوعها في العالم أجمع في العصر الحديث.. من تفتت، وتمزق، وتكالب كل بغاث الطير، وكل الضفادع والعناكب، وكل حثالات، وشراذم، ومرتزقة، وأوشاب، ورعاع البشر.. وتسابق كل الرويبضات والتافهين، وكل الطبقات السفلية المنحطة المتدنية في المجتمع؛ لتنهش في هذه الثورة المباركة؛ ولتتصدر الصفوف الأولى، وتفتي بآرائها البلهاء البليدة الغبية، وتفرض سلطتها على كرام الناس، بوقاحتها وصلافتها، ومكرها، ودهائها، وبمساعدة أعداء الثورة.
لقد وصل المشهد في هذه الثورة، التي كانت هدية من الله تعالى لأهل الشام – لكي يتحرروا من طغيان الأسد وزبانيته، الجاثم على صدورهم منذ أكثر من خمسين سنة – إلى حدٍ لم يعد يطاق، ولا يقبل به، إلا اللئام، والأنذال، والخونة، والعملاء، والمتضعضعون، والمنبطحون، وعديمو الأخلاق والدين والشرف.
فهؤلاء الفئام! الذين يعشقون، ويحبون الاستخذاء، والتذلل والهوان، ولعق أحذية الطغاة، وينتعشون في مثل هذه الظروف التعيسة المهينة، فيسرحون ويمرحون، ويتكالبون على المناصب والكراسي؛ كي تمكنهم من الظهور والبروز أمام الإعلام، وترضي غرورهم، وتشبع نهمهم للقيام بالأعمال الدنية، واكتناز الأموال الطائلة من أسيادهم ومعلميهم، أو من اغتصاب أموال المساعدات المرسلة إلى الفقراء والمحتاجين، أو من فرض الإتاوات على التجار.

ولكن ما الأسباب التي أدت إلى سيطرة الرعاع على قيادة الثورة؟

فقدان القائد المحنك، ذي الشخصية القوية، الجذابة، والمؤثرة، والفعالة، والقادرة على الهيمنة، والسيطرة على قيادة الثورة، وتوجيه عناصرها نحو الطريق الصحيح.
تَرَفُّع، واستعلاء العناصر الطيبة، الخيِّرة، الصالحة، المؤمنة، التقية.. عن النزول إلى مستويات متدنية، وممارسة الأعمال الخسيسة الدنيئة.. مما أدى إلى انكفائها على نفسها، واعتزالها للمشهد السياسي الحركي.
ضعف العناصر الطيبة الصالحة، في الإدارة، والسيطرة، والهيمنة على المشهد السياسي.. مما أتاح للعناصر الخبيثة الشريرة، أن تسيطر وتتحكم في إدارة الثورة.
مكر ودهاء العناصر الخبيثة، واستخدامها لأساليب المراوغة، والخسة، والنذالة، واللف والدوران والتمرغ على أعتاب الأعداء، لدعمها ومساندتها.
الدعم المتواصل والمستمر للعناصر الخبيثة، من الجهات الخارجية الدولية، وتشجيعها على السيطرة والهيمنة على قيادة الثورة.
وهكذا تمكن الأشرار! من الهيمنة، والسيطرة على الإدارة في المناطق الشمالية، وأعلنوا استسلامهم الكلي للمحتلين، من كل جنس، وعرق، ودين.. والخضوع لأوامرهم، والتي كانت تقتضي؛ تجميد أي عمل عسكري – سواءً كان للرد على هجمات المعتدين، والدفاع عن حرمات المستضعفين، أو للانطلاق إلى تحرير بقية الأراضي السورية المحتلة -.
فحينما كتبت مقالاً بعنوان (درب الخيانة في الثورة السورية) منذ عدة أسابيع، وبينت فيه حقيقة الوضع المأساوي الذي وصلت إليه الفصائل المسلحة في الشمال، من الترهل، والجمود، والالتصاق بالتراب، والتثاقل إلى الأرض، والتخلي حتى عن الدفاع عن حرمات المستضعفين.. انبرى عدد من السفهاء الفجار، والأشرار المفسدين في الأرض، لمهاجمة الكاتب، ورد تهمة الخيانة إليه؛ لأنه كشف الحقيقة. ووصفوه بأوصاف بذيئة، يعف عن ذكرها، حتى صبيان الشوارع.
وهذا نموذج لهؤلاء السفهاء القاطنين في الشمال، المدعو (ع. زين…) الذي أرسل إلى الكاتب هذه الرسائل – وسأتركها كما هي: ليتبن القراء، هزالة فكره، وركاكة كتابته، مع أنه يزعم أنه يحمل شهادة الدكتوراة – للدفاع عن الخيانة بشراسة لا متناهية فقال:
(ما حدا خاين غيرك، اللي بيقرا مقالك بفكرك قاعد عخط الجبهة وليس منهزم فار متولي هارب
اخذتك العزة بالاثم وظننت انك افضل الناس والناس قد هلكوا وخانوا قادة وجند وجبنوا وتخاذلوا وانت فقط الشريف النظيف الشجاع المقدام.
من انت وماذا قدمت حتى تقول عن الجند والقادة خونة؟ هل تستطيع تصمد ساعة تحت القصف؟ مستحيل ومع ذلك تطعن وتشتم من صمدوا سنوات اخجل على شيبتك ان تخصص لسانك لطعن المجاهدين المسلمين اسال الله ان يهديك والا ان يستبدلك ويريح المسلمين من قلمك.)
فردد عليه الكاتب بما يلي:
أنت شاب لا تزال مراهقاً.. فيك سفاهة وفجور مع سلاطة لسان.. أنت تدافع عن الباطل بشراسة لا متناهية.. وتأخذ من المقال جزئيات.. وتترك الأجزاء التي فيها مدح وثناء للمقاتلين.. والتي تثبت أنهم بقوا 69 شهر وهم صامدون وحرروا 70% من سوريا..
وبدأ الانحراف حين تسليم حلب.. وكنت أنت من الذين يؤكدون، أن المقاتلين سيدخلون حلب منتصرين..
وفجأة.. تتغير البوصلة، وينسحب المقاتلون وهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحريرها بالكامل.. وتنسحب حضرتك معهم.. لتنحشروا جميعاً في إدلب!!
هل حضرتك تتجرأ، وفيك الشجاعة لأن تبين للعالمين.. لماذا تم الانسحاب من حلب، ثم بعدها من الغوطة وغيرها وغيرها؟.
الكاتب! لم يخون المقاتلين الذين قاتلوا حتى تسليم حلب في نهاية 2016..
وكذلك! لم يخون الذين لا يزالون يقاتلون – سواء في الشمال أو في بادية الشام – ولكنه يخون القاعدين، الخامدين، الهامدين.. الذين يرون الطائرات العدوة تقتل الأطفال والنساء.. ولا يردون عليها.. ولا يقومون بحرب عصابات تزلزل أركان العدو..
فلماذا أنت تدافع عن هؤلاء؟ فأنت تفتري الكذب على الله، حينما تتهم الكاتب بأنه يُخوِّن الجميع.. فهذا كذب وبهتان.. فهو يُخوِّن فقط القاعدين المتثاقلين إلى الأرض.. ومن لا يُخوِّنهم.. ويدافع عنهم، فهو مثلهم..
فرد السفيه بما يلي: وقد أخذته العزة بالإثم، وأخذ يختلق اتهامات مكذوبة جديدة على الكاتب.
(انا فيني سفاهة وفجور؟ ام انت يا متكبر يا سليط اللسان يا فاجر؟ رمتني بدائها وانسلت اسال الله ان يخزيك ويفضحك في معركة كسر حصار حلب ١٦٠٠ شهيد انت قاعد بعيد عبتقبض دولارات بعيد عن الجبهات والعمليات ما بحق لك تقول انسحبوا خيانة انت لو كنت على زمان الصحابة لقلت عنهم خونة في مؤتة اسال الله ان يهديك او يخزيك ويخلص الناس من شرور لسانك.)
فرد عليه الكاتب الرد الأخير:
حتى لا يتحول الأمر إلى جدال عقيم – ونحن في شرعنا، ومنهجنا، وخلقنا، منهيين عن الجدال والمراء…. ففي الحديث عن أبي أمامة الباهلي…وإن كان ضعيفاً (خرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ نتمارَى، فغضِبَ وقالَ: ذروا المِراءَ لقلَّةِ خَيرِه وذروا المِراءَ فإنَّ نفعَه قليلٌ وإنَّه يُهَيجُ العداوةَ بَينَ الإخوانِ.)
لذلك! سيكون هذا آخر رد لي.. حتى لا يتحول الأمر إلى مراء، ومناكفات..
وكل الذي أطلبه منك – وأنت الشاب العاقل، اللبيب، الأريب – أن تلتزم بهذه الأمور الشرعية، الأخلاقية، الإنسانية، المجتمعية..
دعك من الكاتب – أيا كان هذا الكاتب ولو كان كافراً ماسونياً – لا تتعرض له بسوء، ولا تشخصنه، ولا تدعو عليه، وخاصة إذا كان مسلماً.. فهذا فيه كراهة تحريم.. من الناحية الفقهية والشرعية، وسيرتد عليك.. لأن الله تعالى ليس غبياً، ولا أبلهاً، ولا جاهلاً، ولا يُخدع.. فهو العليم الخبير ما في النفوس، يعلم السر وما أخفى… فلا ينطلي عليه هذا الدعاء.
اقرأ المقال – أيا كان – بشكل كامل، وكن منصفاً، ومحايداً.. ولا تقتطع منه جزءاً فيه شيء من السلبية، فتسلط عليه الأضواء.. وتترك الأجزاء الأخرى الايجابية، فتهملها، وتتركها.
أجب عن الأسئلة التي طرحها الكاتب بشكل موضوعي، وعلمي، وأخلاقي.، ولا تكرر سب الكاتب وشتمه.. فهذا لا يفعله كرام الناس، وأولو الأحلام، وذوو القيم، وأهل الشهامة، والنشامة..
الكاتب لم يتعرض لشخصك في البداية، ولم يُخوِّنك، ولم يُخوِّن المقاتلين، المجاهدين، الصادقين.. الذين لا يزالون يقاتلون في سبيل الله – سواء في الشمال، أو في البادية –
وإنما خَوَّن القاعدين عن القتال، بدون تسمية أسمائهم.. وهذا حق وشرعي، ويجب عليك وعلى سواك أن يفعل نفس الشيء.. فما ينبغي لك، ولا لسواك الدفاع عن الخائنين.. والله تعالى يقول: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡخَاۤئنينَ) الأنفال 58. فكيف تدافع عن الذين يكرههم الله ويبغضهم؟! هل من جواب حصيف، عقلاني، منطقي، شرعي؟!
فرد السفيه بنفس أسلوب الكذب، وكأنه لم يقرأ شيئاً، أو لم يفهم شيئاً، أو أنه يريد المكابرة:
(من قال لك ان المقاتل يجب ان يحرق نفسه ١٠ سنوات دون توقف وبمجرد توقف صار اسمه قاعد خاين؟ من قال لك في التاريخ كله كان هناك معركة استمرت بدون انقطاع ١٠ سنوات؟ التنظير من بعيد عيب عليك بدك الناس تموت كلها حتى ترصى عنهم ليش ما تكون انت الخائن القاعد المتفرج على العدو؟ ليش من عطاك صك براءة؟ هل هو مجرد التعالي والطعن يجعلك في مأمن؟ هل تريد ازالة عقدة خيانتك ترمي بها الآخرين؟ ربنا مطلع نعم وهو ادرى بمن جاهد وضحى وجرح وهو أعلم بمن جلس لافف رجل ع رجل يتعالى ويشتم ويطعن وهو لم يخض معركة اخجل على نفسك يا رجل اخجل على شيبتك انا لم تتعرض لشخصي وهذا فخر لي لانه يعني انني انتفضت ليس حظا لنفسي انما حرمة لدماء وسمعة وشرف مجاهدين اعرف ما قدموا وانت تكذب حين تقول اني ادافع عن خونة ولصوص وقاعدين انت ما يحق لك تفرز الناس هاي مو شغلتك انا ساكرر دعائي عليك ان يصلحك الله او يكسر قلمك ويخلص الناس من شرورك.)
(واما الرد بالحجة والمنطق والنقاش والأدلة لا يكون على من نهجه وسلوكه هو التخوين والطعن والكذب ووضع نتاىج مسبقة وبالعموم رح يجيك يوم تعرف فيه قيمة نفسك امام من تطعن فيهم انسحبوا وسلموا سلاح وهربوا وتركوا كلها اكاذيب فارغة ساقها اللصوص والمنهزمون وانت تعرف يا جبان انك لا تصمد دقيقة واحدة مكان من تتهمهم بالتسليم والخذلان والبيع.)
وفي السطر ما قبل الأخير، فيه نفي وإنكار غريب، وكذب صريح، للانسحابات المتتالية والتي كان هو يسجلها بكمرته، ويبثها على الملأ أجمع.
فإذا كان هذا الرجل، الذي يظنه الكثيرون، أنه من النشطاء الحركيين، يصدر منه مثل هذه التفاهات، والسفاهات.. فما ظنك بالعوام؟
فإلى أين المسير بهذه الثورة المسكينة، التي طعنها أبناؤها، قبل أعدائها؟