يتميز القضاء العراقي تأريخيآ بمواقف مهنية عادله وقدره خلاقه على التعامل مع الخصومات القانونيه بكل رصانه وموضوعية.. وكانت المسلمه الفقيه التي تقول إن (أحكام القضاء عنوان الحقيقه) هي من العناوين لتلك المرحله المجيده للقضاء العراقي .. ولكن للأسف بعد ذلك مر القضاء العراقي بانعطافات ساخنه أدت إلى إثارة الكثير من الغبار وعلامات الاستفهام على الكثير من أحكامه لابل وخضع أحيانآ إلى املاءات السلطة السياسيه وابتزازات الأحزاب السياسيه الحاكمه بالعراق وافقدته حياديته واهليته القانونيه في الكثير من أحكامه في القانون الدستوري أو القانون الجنائي. وظهرت هذه الصوره أكثر وضوحآ وقتامة بعد 2003..؟وكان أخرها وليس أخيرها هو الحكم الذي أصدرته محكمة تحقيق الرصافه بإلقاء القبض على الرئيس الأمريكي السابق ترامب. فعلى الرغم من جنون هذا الرئيس ومغامراته السياسيه المتهوره والطائشه الا ان حكم محكمة تحقيق الرصافه للأسف كان بعيدآ عن المسوغات القانونيه ومصابآ بالعوار الجسيم ويفتقر للأسانيد القانونيه والولايه القضائيه لهذه المحكمه في ممارسة اختصاصها القضائي في مثل هذه المنازعات الجنائيه ذات الطابع الدولي ولذلك للاسباب التأليه أدناه والتي يمكن أجملها كالتالي:
أولا..أن المتطلبات القضائيه تستلزم
تقديم أستدعاء كتابي للمتهم بوجود حضوره للتحقيق خلال تاريخ زمني معين وإذا رفض الحضور أنذاك يمكن لمحكمة تحقيق الرصافه إصدار مذكره بإلقاء القبض عليه وأشعار جهات الاختصاص المحلي والدولي بذلك.. فهذه جوانب إجرائية جوهريه وذات طبيعه أمره وملزمه لا يمكن القفز عليها. وهذا ما أشار إليه قانون أصول المحاكمات الجزائيه العراقي رقم23لسنة 971..حيث ذكرت الماده 97 من القانون المذكور ((إذا لم يحضر الشخص بعد تبليغه بورقة التكليف بالحضور دون عذر مشروع
….. جاز للمحاكم أن يصدر أمرا بالقبض عليه)).. ؟
ثانيآ.. أن الجرائم الخاصه بحقوق الإنسان ويكون أحد اطراف الخصوم الجنائيه بعضهم او جميعهم من الاجانب فتخضع والحاله هذه للقضاء الجنائي الدولي.. خاصة وتحديدآ إذا كان الجاني رئيس دولة اجنبيه وذلك للأسباب التاليه:
ا – أن القوانين المحليه لا يوجد بها نص قانوني يجيز محاكمة رؤوساء الدول الذين يحملون الحصانه القانونيه الدوليه لمحاكمتهم أمام القضاد الوطني..؟
ب – المتعارف عليه بالقانون الدولي أن رؤوساء الدول يمتلكون الحصانه الدبلوماسيه القانونيه والسياسيه لمحاكمته اماَم القضاء المحلي للدول..؟خاصة بعدم وجود نص بقانون الإجراءات الجنائيه أو بقانون العقوبات يجيز لمحكمة تحقيق الرصافه التحقيق مع رؤوساء الدول؟
ج – أن القضاء الجنائي الدولي واستنادآ لقانون روما للمحكمه الجنائيه الدوليه هو الذي يمتلك وحده دون غيره الولايه القضائيه لمحاكمة رؤوساء الدول في حالة ارتكابهم جرائم ضد الانسانيه.. وبغض النظر عن حصانتهم الدبلوماسيه والقانونيه.حيث أشارت الماده 27/ أولا.. من نظاَم روما الأساسي للمحكمه الجنائيه الدوليه انه ((يطبق هذا القانون على جميع الأشخاص بصوره متساويه دون تمييز سواءآ أكان رئيس دوله أو حكومه……..))؟
والماده 27/ ثانيا..أشارت بما لا يقبل الشك انه((لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية التي ترتبط بالصفه الرسميه للشخص سواءآ في إطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسة المحكمه اختصاصها على هذا الشخص))..؟
كل هذه المسوغات القانونيه تؤكد أن محاكمة رؤوساء الدول أو التحقيق معهم والذين( يرتكبون جرائم ضد الانسانيه أو جرائم الأباده الجماعيه أو جرائم الحرب والعدوان) تكون من الاختصاص القضائي الحصري للمحكمه الجنائيه الدوليه وليس للقضاء العراقي الذي يفتقر إلى نص دستوري أو قانوني تبيح له إلقاء القبض أو محاكمة رؤوساء الدوله الذين يتمتعون بالحصانه القانونيه الدوليه..؟؟
اخير قد يسأل البعض أن العراق ليس عضوآ بالمحكمة الجنائيه الدوليه وغير موقع على اتفاقية روما.. وهذه حقيقه لا مفر منها الا ان المشرع الدولي ووفق تصورات نظام روما للمحكمه الجنائيه الدوليه أجازت للدول الغير أعضاء بالمحكمة أو الذين لم يوقعوا على اتفاقية روما أن يطلبوا وبكتاب رسمي من المحكمه الجنائيه الدوليه أن تتدخل وتبسط ولايتها على مثل هذه الجرائم ذات الطابع الدولي هذا اولا.. وثانيآ يمكن للعراق أن يطلب من مجلس الأمن إحالة هذه الخصومة القضائيه للمحكمه الجنائيه الدوليه في هولندا..؟
ولذلك كان قرار محكمة التحقيق بمحكمة الرصافه معيبآ شكلآ وموضوعآ وفاقدآ لمسوغاته القانونيه..وبالتالي باطل بطلانآ مطلقآ هو والعدم سيان..؟ ولم يكن أكثر من خطوه للاستهلاك السياسي لاغير…؟؟؟