أسعدني كثيراً المشاركة مع نخبة من الأدباء والكتاب والمثقفين والأكاديميين والصحفيين الكورد والعرب من العراق والأردن وفلسطين ولبنان ومصر وتونس والسودان، في (ملتقى الديمقراطية وحق التقرير المصير) الذي أقيم في مدينة السليمانية يومي 16ــ 17/ 9 / 2017، والذي تم تنظيمه من قبل المجلس الأعلى للاستفتاء في إقليم كوردستان. للتحاور الجاد والتفاعل الحيوي وتبادل الآراء ووجهات النظر المبنية على المحاججة بالمنطق وبشكل عقلاني حول الديمقراطية وحق تقرير المصير، والهوية، وقضية الاستفتاء، ومشروع سايكس بيكو، والمسألة القومية كظاهرة تاريخية في بلد متعدد القوميات، والكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والإستماع الى بعض الدراسات المتعلقة بالخلفية التاريخية لتطور القضية الكوردستانية، وسياقاتها التاريخية. جاء اللقاء، لتأكيد أهمية العمق العربي بالنسبة لكوردستان، ولترسيخ العلاقات بين الشعب الكوردستاني والشعب العربي، وصيانتها وتطويرها لما يخدم إطفاء بؤر التوتر في المنطقة، ومن أجل بناء السلام العادل بين الشعوب، على أسس المساواة واحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها بالصيغة التي تريدها.
كما أسعدني مواقف غالبية المشاركين الذين كانوا يؤيدون بالمطلق في الحوارات والمداخلات المتعددة التي دارت في الملتقى، حق الشعوب في تقرير مصيرها، وكانوا يعرفون الكثير عن المأساة التي تعرض لها الكورد في العراق، والسياسات الشوفينية للأنظمة المتعاقبة في الحكم وأفكارها القومية الضيقة، والاشكالية التاريخية في بناء الدولة العراقية وطبيعتها، والأسباب التي أدت الى طرح الإستفتاء.
قالوا لنا بصراحة تامة: أننا نعرف إنكم لاتطيقون البقاء في بلد فاشل ينطبق عليه كل معايير الدولة الفاشلة. وتهربون من بلد يفشل يومياً في ادارة الملفات الروتينية المتعلقة بحياة الناس، يتعثر ويتخبط في خطواته منذ عقود عدة، ويحكمه أناس، ينسفون الثقة بالعملية السياسية والديمقراطية والفدرالية. أناس جل رصيدهم في الحياة السياسية، لا يتجاوز معارضة صدام والاستثمار بالشعارات الطائفية، والبلاغة في الخطاب السياسي والتبعية للخارج. نعرف إنهم لايريدونكم شركاء معهم في بلد تعم عليه مظاهر اللادولة ومعالم التحايل وخرق الدستور والفساد السياسي والإداري والعبث بالقوانين. ويهددونكم كل يوم بفتح البوابات الجديدة للعنف والأنفال والمقابر الجماعية والقصف الكيمياوي بعد إنتهاء داعش.
أما كلمة ( وإفترقنا ) المذكورة في عنوان المقال، فأعني بها: الفراق مع الزميل المرحوم أحمد ناصر الفيلي، رئيس تحرير صحيفة التآخي.
قبل بدء الجلسة المسائية، جلسنا وتحدثنا عن نقص التواصل بين العرب والكورد، وإقتصار الحوارات بين الجانبين على مستوى القيادات، وفي الغرف المغلقة، وإهمال المثقفين وصناع الرأي. كما تبادلنا الآراء حول مواقف الدول الإقليمية تجاه الاستفتاء، ومواقف بعض القلقين من الاستقلال، والمروجين لخيار البقاء ضمن العراق، ودعوات عدم إجراء الإستفتاء، أو تأجيله، بحجة مراعاة فن الممكن وعدم إثارة حفيظة الآخرين وفهم التوازنات، وعدم امكانية شعبنا الذي يريد هذا الخيار على ادارة دولته الجديدة، أو عدم صلاحية الوضع الدولي. وإتفقنا على أن هذا المشروع لايقدم لنا، اليوم أو غداً أو بعد مئة عام، على طبق من ذهب من قبل المجتمع الدولي أو القوى الإقليمية. وإعتبرنا قرار الإستفتاء مهمة نضالية، يجب أن تكون مدعومة بتضحيات ومرتكزة على الاستعداد في العطاء، ومن هذا المنطلق لم نعتبره مغامرة ثورية.
كما تحدثنا عن هموم الصحافة الكوردستانية وإسباب إخفاقها في الساحة العربية العراقية والإقليمية، خاصة بعد (وقف، أو إيقاف، أو حجب) صحيفة التآخي ومجلة صوت الآخر( كنت مديراً لتحريرها)، اللتين كانتا تصدران في بغداد وأربيل باللغة العربية. وإتفقنا في الرأي حول ضرورات تواجدهما في الساحة الإعلامية للمساهمة في ترسيخ مبادئ التعايش والسلام والديمقراطية والارتقاء بالقيم والمثل الانسانية العليا، ونشر الوعي والثقافة الوطنية، وتعزيز مفاهيم الاخوة والوئام والمودة ومد جسور (التآخي) الإنساني، وقبول (صوت الآخر)، والدفاع عن الإستفتاء وإستقلال كوردستان عن العراق، وبالذات، في تلك الفترة الحرجة من تاريخ كوردستان والعراق.. في تلك الأثناء، مرَّ من جانبنا السيد محمود محمد، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني ومسؤول مكتب الإعلام للحزب، وجلس في مقعد قريب. دعاني المرحوم أن نذهب إليه ونجلس معه، وندعوه الى العمل من أجل معاودة صدورالصحيفة والمجلة، ولكني ( للأسف الشديد) لم أذهب معه، لأسباب لم أذكره له في حينه، ولا أذكره الآن.
وبعد الدخول الى قاعة المؤتمرات، وأثناء تعبيره عما في داخله بشأن قضية شعبه وحقوقه العادلة، والمشاركة في تعريف المثقف من وجهة نظر كرامشي، وافته المنية اثر نوبة قلبية.
في اليوم التالي، وقف جميع المشاركون في الملتقى في توديع جثمانه الطاهرالمغطى بعلم كوردستان الزاهي الى مثواه الأخير، وغاب عن عيوننا ولكنه سيبقى في قلوبنا ووجداننا الى الأبد.