23 ديسمبر، 2024 12:39 ص

إكليل من العار على جنازة الجنرال

إكليل من العار على جنازة الجنرال

للتاريخ رغم إن معظم خدمتي العسكرية كانت ضمن تجانيد الفرات الأوسط ٫ ولكن لم إسمع بالمرحوم توفيق الياسري قائدا ولا ضابطا حريفاً إلا أيام الإنتفاضة الشعبانية ٫حيث إنضميت الى المجاميع الشعبية بالإعجاب به على تمرده ضد نظام صدام وبقيت أتلصص أخباره الشحيحه خارج العراق من رجالات منطقته ٫وعندما هاجرت الى إوربا أصبح من السهل الوصول لصحف المعارضة العراقية لأتفاجيء بأن هذا الضابط ليس بطلاً شعبياً فحسب وإنما (يقرأ ويكتب)عكس إنطباعي عن أغلب ضابط الجيش العراقي آنذاك الذين لم أتلمس من ثقافتهم الشخصية إلا الإنصياع للأوامر القيادية لتحقيق منافعهم الشخصية والعائلية٫ فكتب سلسلة دراسات شيقة وعملية ومعمقة عن كيفية إصلاح المنظومة الحكومية العراقية بما فيها إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية نشرت في حف المعارضة والتي زادت من إعجابي به٫٫ تبين بعد حين من أحد أساتذتي في القانون الدستوري عندما ألتقيته مع فريق العدالة الإنتقالية بإيطاليا/ صقليا ٫بأن الدراسة قد كتبها للياسري هو وبعض المتمرسين كرسالة لنيل شهادة الدكتوراء لحرص المرحوم (الدكتور) الياسري بالحصول على هذه الشهادة بأي ثمن ولو كانت ورقية مثل كل العراقيين في الخارج والتي عمموها على الداخل .
المهم ٫في عام 2002 تلقيت إتصالاً من المرحوم الياسري يدعوني لإجتماع في لندن لإعلان تأسيس المجلس العسكري لتحريرالعراق٫ فوجدته بالفعل ذلك الرجل الشعبي المتحمس للعراق ٫ولما كلفني بمسؤلية تجنيد العراقيين المقيمين في إوربا وإستراليا الراغبين بالتطوع للمساهمة بتحرير العراق كان تشريفا لي ٫ ولكن يوم جد الجد وقررت الإدارة الأمريكيه دعوة العراقيين الراغبين في المساهمة بإسقاط صدام للإنضمام لمشروعها العسكري والمدني حظر المرحوم الياسري إلينا ليجتمع بنا في مدينة لاهاي الهولندية ويبلغنا برفض الدعوة الأمريكية معتبراً إنها غير لائقة به ولا بالمجلس العسكري ولا بالعراقيين المتشوقين لتحرير بلادهم إلا إذا وافقت الإدارة الأمريكية بالتعامل معه كقائد من الآن وأن تقدم له ولأعضاء المجلس والمطوعين ما قدمته الإدارة الأمريكية للكويتين من مناصب وإمتيازات شخصية قبل وبعد تحرير الكويت ! حاولت جداله ٫ومعه مقربين منه٫ بأن لا يليق بمعارضة تبحث عن منافعها قبل تحقيق مشروعها وإن هذه فرصة تاريخية لنا لننتقل من ساحات الجهاد الإنشائي الفارغ الى ساحات الجهاد الميداني البناء في إسقاط الدكتاتورية وإعادة بناء العراق ٫كما أبلغته إني وكل الذين قبلوا التسجيل في المجلس العسكري قد جهزنا أنفسنا للمشاركة ٫أجابني بأنه لن يكون إنتحاري في مشروع أمريكي وأنا وغيري من المتطوعين أحرار بالمشاركة مع الأمريكان أو عدمه المشاركة وعلى مسؤلياتنا٫ وإلتحقنا نحن الذين لم يتجاوز عددنا الخمسين بما فيها المتطوعين من أمريكا وكندا ٫وبعد إنتهاء العمليات الحربية وبداية مهمتنا المدنية لإعادة عمل ما تبقى من انقاض الوزارات العراقية٫ وفي مصادفة وقوفي في ساحة السيارات المقابلة لمكتب حكومة الإتلاف المؤقته في الخضراء إنتظر خروج الفريق الأمريكي الحكومي لتنفيذ إحدى المهمات المتعلقة برعاية دور الأيتام في بغداد ٫وفي بدلتي العسكرية الرثة التي كنت أعيش وأعمل وأكل وأنام وأتغطى بها في عراء حدائق قصور كراده مريم الرئاسية٫ فوجئت بالمرحوم أبوعلي في بدلته المدنية الإنيقة وهو يترجل من سياره دفع رباعي المكيفه ٫كانت دهشتي لا توصف ٫ ركضت عليه ٫أبو سيوف ٫ كيف وصلت الى بغداد وماذا تفعل هنا؟؟ وبدل أن يشكرني وزملائي الذين تركوا مدن حياتهم الرغيده وعوائلهم في الدول الإوربية وتطوعوا مع الأمريكان لإسقاط صدام ٫ بدأ يشمت بي وبرفاقي الذين تطوعوا بالمجان مع الأمريكان لإسقاط صدام ٫وكيف نصحني برفض المشاركة وها هو -وكل من والاه- قد حصلوا على عقود عمل ٫٫سفر من لندن بالطائرات التجارية الى الكويت ونقل بالسيارات المكيفه وصالونات للمنام في فندق الرشيد ومكاتب إنيقه في الخضراء برواتب دسمه وحمايات شخصية من مال العراقيين الذين سيطروا عليه الأمريكان ٫ ليعملوا مستشارين في مجلس إعمار العراقي التابع للسفير بريمر ٫مع ذلك ٫ فرحت به وبمجلس إعماره ٫ قلت مجلس إعمار؟ هذه بشرى يا أبو علي٫ تعال ٫الناس هناك خارج الخضراء تعيش بين الأنقاض لا أمن ولا أمان ولا ماء ولا كهرباء ولا أرزقاء وتريد من يُجيبها على صدمتها بالإحتلال بوجودها الحالي أو بالقليل بخبر مجلس إعماركم لقادم الأيام٫فأجابني ببساطه٫بأنه يعمل بمجلس الإعمار للبناء السياسي وليس لبناء الإعمار ٫ قلت له ٫سيدي إلا ترى هذه العجلات العسكرية الأمريكية التي عبيناها بالمكانيس والسطول وخراطيم المياه ومساحيق الغسيل والتعقيم ننتظر فريق من كبار الضباط والجنود والموظفين الدبلوماسيين الأمريكان يخرجوا من إجتماع يومي مع السفير بريمير ليرافقوننا لتنظيف ما تبقى من مكاتب مؤسسات الدولة الرسمية ونعيد الحياة لها في تقديم الخدمات للمواطنين ٫ تعال ومعك زملائك في مجلس الإعمار تقدمونا أو شاروكنا بالمكانيس ننظف أمام الناس لنكون النموذج التي عشناه في إوربا ٫نشيع ثقافة العمل بدل الكسل بين أهلنا العراقيين ونعيد الأمل في بناء العراق ٫ قال أنا متعاقد لواجبات سياسية وليس لواجبات تنظيف مزابل عراقية!
وبعد أشهر تم تكليفي بإعادة تاسيس الدائره القانونية لوزارة الدفاع ظل المرحوم أبو علي يتردد على مكاتبنا يدعي بأنه الوزير المناضل الدكتور الضابط المفصل الجاهز لهذه الوزارة ٫ مرة يزورنا في بدلة سويسرية وكأنه قرقوز في وسط جمهور حزين٫٫ ومره في معطف لندني وكأنه بهلوان يخرج ما بين الأنقاض٫ تعجبت لهذا الرجل الشعبي كيف يقبل لنفسه بهذا الهندام اللامع بينما أهله في الديوانية والنجف والمشخاب لا يجدون بمستشفياتهم المدمرة وصيدلياتهم الفارغة حتى (دهن المشك) لأيادي أطفالهم المتشققه بالدم والملح من مزابل قاذورات الماء والهواء في أول شتاء أسود يمر به العراق بعد الإحتلال؟
لم يكتفي بذلك وبقي المرحوم طامع بالمنصب ٫فكلما زارنا في مكتب وزارة الدفاع يوم التأسيس الأول قال لي هذا هو مكاني وهذه هي وزارتي القادمة ٫حتى أنه الوحيد الذي إلتقيته بحياتي والذي أجزم بأنه إلتقى السيد السيستاني مع رئيس مجلس الإعمار عماد الخرسان الذي أبلغني ببساطته (رحمة الله عليه) بأن السيد السيستاني عندما سمع من الخرسان مؤهلاته لتولي وزارة الدفاع أو الداخلية ٫طلب منه ـ إذا إستلم وزارة الداخليه- أن يمدد له الإقامه لمدة سنه بدل من كل ستة أشهر التي كان تفرضها دوائر الإقامة والمخابرات لنظام صدام !
حاولت مرة أن إستغل حرصه وطمعه بوزارة الدفاع لأبلغه بأن الأمريكان قرروا مع ضباط عراقيين جبناء بناء وزارة دفاع في المنطقة الخضراء طلبت منه آن يساعدني لإجبار الأمريكان بالإنتقال الى مقر الوزارة في الميدان لنوقف نهبها من قبل العربنجية والعربان ولتكون وزارة للشجعان بالفعل للدفاع عن العراق وليس ذيل بمنطقة الأمريكان ٫ كما إنهم إستأجروا شركات ممكن أن تديرمرتزقة وتدير شركات أمنية ولن تصلح لتأسيس وزارة الدفاع العراقية بمواصفات حرفية من عناصر وطنية وملفاتي مكتوبة وجاهزه ٫ تعال معي نقنع أصحاب القرار بمشروعنا لنبني وزارة دفاع حرفية بمقايسس العسكرية والجندية العالمية التي تعلمناها في الدول الإوربية٫ قال لن أصرف دقيقة واحدة حتى يتم تعييني بالمنصب الوزاري ٫ أنا الآن متعاقد فقط لأغراض سياسية ! عندها تذكرت حديثه في دنهاخ وقصة مناصب ومنافع الكويتيين الذين شاركوا الأمريكان بتحرير دولتهم من صدام. ٫
وبكل إحترام للمرحوم الياسري ولكل الموتى ٫المرحوم مثلي وغيري ٫ له ماله وعليه ما عليه٫ وسيقول من قائل ٫لماذا سكت لتقولها الآن بعد موته ؟ ألم تتذكر الحديث ((النبوي الصحيح أو الضعيف )) بذكر محاسن الموتى ؟ فأني أبلغ من يتسائل ٫بأني منذ إعتلاء المغفور له كرسي مجلس الحكم المؤقت لم أتابع أخباره٫وقد لا تصدقون لم أعرف به أصبح (جنرالاً) وبطلاً قوميا إلا لما إطلعت مع غيري على خبر وفاته من الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي فقررت التعليق لأنقل درس من دروس العار لبعض قيادتنا الشيعية العسكرية أو الدينية التي جعلت حكم الشيعة في العراق نكته شعبية ووطنية ودولية يتداولها نفايات القوى السنية والكردية العراقية قبل القوى الدولية٫ ولأقول للذين إستساغوا أكاذيب مرجعيات وشخصيات سياسية أو دينية حطمت التجربة العراقية ٫إرحموا أنفسكم وأهاليكم وكفوا عن مجاملة كفائتنا المزيفة التي أشبعتكم فشل وفساد وخراب وإجرام٫كفوا عن الإشارة الى جنرالات أعدادهم أصبح أكبر من الذباب في دولة ساقطة وجيش مخصص للمنافع الوظيفية والمالية٫٫ أمي متكرش ومهزوم لم يعد يعرف حتى معاني الإلتزام بالقيافة العسكرية فكيف سيقوم بتنفيذ واجباته الوطنية في حماية الدولة العراقية ؟ تركبه وتديره مليشات وعصابات وحشود كل ما تبقى منه تشكيلات تقدم أوامر وتوجيهات القوات الدولية لتدمير ما تبقى من المدن العراقية بحجة تنظيفها من الزمر الإرهابية وإخرى لا تتردد بإستخدام سلاحها القاتل لحماية سلطات الإجرام والجهل والخراب العراقية من ثورة المظلومين والمحتجين الشعبية ؟
وبالنهاية نعترف للجميع ٫٫ من يستحق التعزية بأكاليل الشرف والبطولة والخلود هم المحتجون من شابات وشباب ساحات التحرير وبقية ساحات وشوارع المدن المنتفضة من الأموات والأحياء ٫٫أما أنا والمرحوم وكل بقية الجنرالات الكارتونية فلا نستحق إلا أكاليل العار والشنار لأننا أما ساهمنا أو إنهزمنا أوسكتنا على تدمير الدولة العراقية .
الرحمة والغفران للمرحوم الياسري ولجميع الموتى ….