23 ديسمبر، 2024 1:41 ص

إكذوبة الغزو الثقافي

إكذوبة الغزو الثقافي

منذ شيوع مصطلح الغزو الثقافي وهناك فريقان مختلفان على صحة وقوة هذا المصطلح فالاول اعتبره اخطر من الغزو العسكري اما الفريق الثاني فيراه مجرد مصطلح وهمي مصطنع لا وجود له في العالم .

وقد ذكره الكاتب السعودي عبد الله الغذامي في كتابه الثقافة التلفزيونية (سقوط النخبة وبروز الشعبي) قائلا:

“إن مقولة الغزو الثقافي ليست سوى مقولة واهمة هدفها المبالغة في تخويف الذات”

وكذلك الفيلسوف مراد وهبة في كتابه (جرثومة التخلف) قال :

“هناك جملة تتداول على السنة الكثير وهي (الغزو الثقافي ) ولكي نعرف زيف هذا المصطلح يجب ان نحلل هذه الكلمة ، كلمة (غزو) مصطلح عسكري يستلزم جيوشا مهمتها اقتحام الحدود الجغرافية بحيث يتيح لها هذا الغزو ضم اراضٍ جديدة اليها ، اما الثقافة فليست لها حدود أذ هي من صنع البشر في كل زمان ومكان ، ولهذا حق للبشر جميعا تداول هذه الثقافة وعلى مفكري العرب ان يعوا هذه الحقيقة حتى يمكن التفاعل مع الثقافة الانسانية فالثقافة في الاصل انسانية وتتخذ مواقع جغرافية ولكن من الصعب احداث وحدة بين الموقع الجغرافي والثقافة ”

وقد تطرق الكثير من المفكرين والكتاب والباحثين لمفهوم الغزو الثقافي واسبابه وبدايته التاريخية وتاثيره الخطير على المجتمع الاسلامي وملخص مفهوم الغزو الثقافي او الغزو الفكري كما ذكرته الموسوعة الحرة ويكيبيديا وجاء متطابقا نوعا ما مع تعريفاتهم على انه :

(مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة. وهو أخطر من الغزو العسكري؛ لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك المسارب الخفية في بادئ الأمر فلا تحس به الأمة المغزوة ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له وتكون نتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس تحب ما يريده لها عدوها أن تحبه وتكره ما يريد منها أن تكرهه. وهو داء عضال يفتك بالأمم ويذهب شخصيتها ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها والأمة التي تُبتلى به لا تحس بما أصابها ولا تدري عنه ولذلك يصبح علاجها أمرا صعبا وإفهامها سبيل الرشد شيئاً عسيراً).

ولعل كل من يقرأ هذا التعريف يتراء له او يجده مطابقا جدا للمرض العضال الذي فتك بعقول شباب العرب وشوه ديننا وازال معاني الاصالة والقوة فيها واتخذ مسارب خفية جعلت المجتمعات مريضة الفكر والاحساس ومصابة بالازدواجية والمتمثل بالخطاب الديني السياسي المتطرف.

والذي فعل فعلته التخريبية في المجتمعات ونحن لسنا بصدد الغاء الدور السلبي للفكر الاوربي على الشعوب وانما لو اردنا ان نضعهم بكفتين ومعرفة ايهم اكثر خراب وتدمير للعقول لوجدنا الخطاب الديني السياسي المتطرف الداعي للتعصب والارهاب اعلى وامضى واضر بكثير من ما يدعونه بـ (الغزو الثقافي ) فلم تزهق الارواح وتتناثر اشلائها بالتفجيرات ولم تهتك الاعراض وتسبى النساء ولم يتقاتل اهل المحلة والمنطقة الواحدة وتثار بينهم النعرات الطائفية الغزو الثقافي، ولم تحدث مجزرة سبايكر ولم يصنع داعش المتعصب الارهابي الدموي التكفيري الذي دمر البلاد والعباد بكل قسوة وهمجية الغزو الثقافي ،انما من صنعه هو الخطاب التعصبي ودعاة الضلالة المتسترين بالدين واصحاب المنابر الذين اشركوا الله بمصالحهم وجعلوا كلام الله وسيلة لمبتغاهم ومبتغى مموليهم ومرؤسيهم ، لقد سلخوا المحبة والتسامح وقبول جميع الاديان من معتقدات هذا الجيل وزرعوا الكراهية والتعصب والغلو في الدين حتى اصبح جيل مهزوز القناعات والمعتقدات وتشتت فكرهم فمنهم من أنظم لما يسمونه أقتناعا وأيمانا بصحة أعمالهم الأجرامية بـ(الدولة الاسلامية )ومازال تحت تاثير سكرات خطابهم التعصبي ومنهم من اختارالفكر العلماني لانه وجد الصدق والوضوح يكتنف مفاهيمه، ومنهم من اتخذ الالحاد سبيلا ليريح عقله من تناقضات الدين التي اخذت بالاتساع بفضل رجال الدين ،ومنهم من بقى متارجح بين الدين الاسلامي ومايمنحه لعباده من اطمئنان وراحة قلبية واستقرار نفسي وبين صخب الحياة وملذاتها ،ومنهم من رحمه ربي وحاد عن النظرة ضيقة الافق وتبين امره وابتعد عن اللغو والتعصب والاحقاد وترفع عن الافكار المتعصبة والدونية وعاش حياة متحررة من الافكار المتشددة وهذه الفئة تقل وتتقلص يوما بعد اخر.

اليوم نحن بحاجة ماسة للبحث عن مخرج وايجاد وسائل تمكننا من سحب الخطاب الديني من ايدي الذين عبثوا به وغيروا مفاهيمه الجلية وجعله مسلك لتحقيق مآربهم ومآرب مموليهم وكباراتهم وحولوا الدين الى- لحية وسيف وبندقية – اليوم نحتاج لمن يتسيد الخطاب الديني ان يكون على قدر كبير من الوعي لتكون ثمرة وعيه خطاب صادق يدعوا للمحبة والعمل والتآخي مع الآخر مهما اختلف معه في العقيدة والدين والرأي ،يكون منسوب الانسانية والرقي مرتفعة عنده ليكون مساهم فعال لبناء ركائز اخلاقية مجتمعية منتجة صانعة وليست مستهلكة .