بما أن الإصلاح السياسي هو عکس مفهوم الثورة ويعني تعدیل غير جذري في شکل الحکم أو العلاقات الإجتماعية دون المساس بأسسها ، أي العمل علی تحسين النظام السياسي الإجتماعي القائم ، دون المساس بأسس هذا النظام ، يری بعض المنظرين أمثال الأميركي المعروف صاموئیل هانتغنتون صاحب أطروحة صِدام الحضارات بأن الإصلاح السیاسي ليس إلا “تغيير في القيم وأنماط السلوك التقليدية ، وتوسيع نطاق الولاء ليصل أخيراً إلى الأمة ، أساس هذا الإصلاح هو العمل علی عقلنة الحياة العامة وعقلنة البنى في السلطة وتعزيز التنظيمات المتخصصة ، وإعتماد مقاييس الكفاءة.” بموجب هذا التعريف يعني الإصلاح السياسي إذن تطوير كفاءة وفاعلية النظام السياسي في بيئته المحيطة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
عملية الإصلاح السياسي يجب أن يمس جوانب عديدة و إيجابية للنظام لإعادة هیکلته عن طريق خلق فاعلين جدد ویجب أن يتم بموازاة مع التغيير الحاصل في المجتمع. إذا أردنا أن نبني دیمقراطية تشارکية حقيقية ، یتحول فیە المجتمع الکوردستاني الی إقلیم القانون وليقوم أعضاءه بواجباتهم ویتمتعون بحقوقهم، فما علینا إلا إحضار الإصلاح السياسي ، ففي غيابه لایمکننا التطرق عن إصلاح اقتصادي واجتماعي وتنمية اقتصادية ، بإعتباره جزء جوهري في الإصلاح الشامل.
المجتمع الذي يسعی الی تعدیل واقع نظامه السياسي لینتقل من مرحلة مقيدة ببنی تقليدیة نحو مرحلة تؤمن ببنی محدثة لمواکبة العصر ومتغيراته من مضامین تدفع نحو الحرية المستندة الی الإختیار کأساس الدیمقراطية وجوهرها الحقيقي ، يحتاج الی مؤسسات تخضع الی معاییر قانونیة تحکم عملها بمنأی عن الجمود والشخصانية والتحكم أو التسلط. إن وجود المعیار القانوني ضروري لفهم المطالب والقدرة على إدراك التوقعات التي يحدثها الإصلاح، وفي ظل غیابە ینهار النظام السياسي أو يتعرض لحالات انعدام الاستقرار السياسي.
الشرعیة السياسية تبدأ من حیث مراعاة المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية للمكونات الاجتماعية بعد الوصول الی تطابق قيم النظام السياسي مع قيم الناس وإلا ما الجدوی من الإصلاح.
إن بناء المواطنة القانوني المرتبط بالإنتماء الی إقلیم كوردستان والولاء لنظام الحکم فیه يبدأ بخلق ربط المواطن بالإقلیم من خلال قنوات تواصل تلبي الاحتياجات والمتطلبات السياسية والاقتصادية.
الإصلاح السياسي في الإقلیم يجب أن يكون ذاتياً من الداخل شاملاً لمختلف مناحي الحياة السياسية “البنّوية والتشريعية” وينحى منحى التدرج والشفافية ويركز فيه على المضمون “الجوهر” وليس الشكل.
فالإنفتاح الكامل علی الشعب الكوردستاني في كل السياسات والممارسات ، لإبداء الرأي بتلك السياسات هو من أهم الخطوات نحو الديمقراطية ، بە يولد الشفافية والمساءلة.
نحن اليوم أحوج مانکون الی القيام بإصلاحات شاملة في بنیة الواقع الكوردستاني وذلك لتجسيد روح المواطنة واشاعة العدل والمساواة بين مواطني كوردستان دون تمايز. علینا استئصال الفوارق القائمة على اساس الانتماءات الحزبية او القومية او الدينية او الطائفية او العشائرية. لقد سارت عجلة التحديث والتطوير في كوردستان بسبب الظروف السياسية المفروضة علیه ببطء. إن بلوغ الغایات والأهداف التي من أجلها ناضلنا مایقارب قرن من الزمان يفرض علینا أن نفعل قدرتنا علی التوحد والتنسيق المشترك لإغتنام الفرصة التاريخية والفرص السانحة لتغيير فعلي ونقلة نوعية في حیاة شعب الإقلیم وإعادة صياغة الإنسان الكوردستاني على اسس حديثة تستجيب للقيم الحضارية الانسانية التي تعتمد العقلانية والمنهجية والعلاقات الانسانية بين ابناء المجتمع.
علی الأحزاب الكوردستانیة التي تشکل الخارطة السياسية العمل علی إنهاء الإنقسامات والشروخات في المجتمع والسعي نحو مغادرة أفكار التجزئة والتشرذم بما يقوي حب الإقلیم ويعزز الخطاب الكوردستاني لتنمية الوعي الكوردستاني بعد أن عانی هذا الوعي التسلط والإرهاب والمحاربة الدائمة لأكثر من ثلاثة عقود من قبل النظام الدیکتاتوري البعثي المقبور.
علیها نشر ثقافة الدیمقراطية بين أفراد المجتمع الكوردستاني والتي تعني احترام آراء الاخرين وحقوقهم في التعبير عنها في اطار من المساواة والتكافؤ ومکافحة العصبية کرابطة إجتماعیة سیکولوجیة ، شعورية ولاشعورية وعلی الأحزاب السياسية الفاعلة أن تتخلی عن السعي الی دفع المجتمع الكوردستاني نحو خضم صراعات ومواجهات تضعف قدراته على مواجهة التحديات الجسیمة كحربنا ضد التنظيم الإرهابي الدولي داعش والتصدي للعوامل الأخری المؤخرة لتقدمه وتطوره. التنمية لا تحصل بالتمني بل لابد من أن تتوفر الإرادة لدی الجهات المسؤولة لإصلاح الوضع الراهن و لابد من أن تتضافر الجهود للنهوض بالمجتمع إلی مکانة تقتضيها طبيعة العصر الحديث.
وختاماً نقول: “لإجتیاز إمتحان المعرفة والديموقراطية والتنمية ماعلینا إلا أن نمارس هويات عابرة وأن نتعامل مع معدننا كتراث لا كمتراس وأن نتصرف على مستوى إقلیمنا الکوردستاني لكي تكون هويتنا عابرة منتجة مبدعة خلاقة حتى نتمكن من المساهمة فى منجزات الحضارة الحديثة.”