23 ديسمبر، 2024 5:23 م

إقليم كوردستان بين شروق مأزق الحوار وغروب الاجتماع الوطني

إقليم كوردستان بين شروق مأزق الحوار وغروب الاجتماع الوطني

من المعلوم بأن الموقف الخُلقي لا يكفي لكي نمارس التحاور، فما نحتاجه هو الشرط الوجودي، أي القدرة علی الخلق والانتاج بالعمل الخارق والمبادرة الفذة و الإجراء الفعّال.
فالحوار الناجح يُدار دوماً بلغة الخلق، لما تحتاج اليه الشراكة أو صناعة الحياة من المجالات و اللغات والمساحات. والذي لا يتقن لغة الخلق والتحول، فكيف يكون قادراً علی إدارة حوار بشكل متكافیء و فعّال؟
ففي الآونة الأخيڕة نسمع من سياسيين مخضرمين الرأي القائل، بأن تطويق و إحتواء الأزمات المزمنة في العراق تكمن في الإسراع ببدء الحوار لحل الخلافات العالقة بين أربيل عاصمة كوردستان و بغداد عاصمة العراق الفدرالي و عقد “الاجتماع الوطني”، مبرهنين ذلك بأن الطرفين يؤكدان التزامهما الكامل بتطبيق الدستور.
المطالب الكوردستانية هي نفسها كما كانت عام 1970 لم تتغير، أساسها إعادة الحقوق المهضومة للشعب الكوردستاني، تلك الحقوق المدونة في الدستور الجديد. أما الأطراف السياسية العربية التي لا تهمها حل الأزمة الراهنة ولا تعمل علی إخراجها من النفق المعتم تتمسك وتتشبث بأرائها المتشنجة و تتماطل في تطبيق بنود  ومواد الدستور ومنها المادة 140.
فدولة رئيس مجلس الوزراء مثلاً لا ينوي في الحقيقة الاحتكام إلى الدستور الذي اتفق هو قبل تأسيس حكومة الشراكة بفضل إتفاقية أربيل و المبادرة التاريخية لرئيس إقليم كوردستان على احترام بنوده، فكيف إذن الدخول في قضية الإصلاح، بالرغم من عدم وجود ورقة للإصلاح أصلاً. ودليلنا هو أنه لم يتم توزيع أية ورقة أو نسخة أو مسودة معنية بالإصلاح علی الکتل السياسية المتواجدة علی الساحة العراقية، كي يبدون رأيهم فيها و يتحضرون لمناقشة بنودها. 
أما فيما يخص “الاجتماع الوطني” فإن الهدف الأساسي لمشاركة الإقليم فيه يتجسد في ضمان مصالح الشعب الكوردستاني أولاً بعد أن تبيّنت النوايا الخفية و ظهر بأن هناك قوی إقليمية تعمل مع الحكومة الإتحادية لتقليص أداء الإقليم علی المستوی العالمي والنيل من تجربته في الديمقراطية.
وطالما سياسة الإستمرار في عرقلة الخلافات في بغداد تبقی هي العليا و يبقی التنصل من الاتفاقات المبرمة عند دوڵة القانون هو البرنامج و الإقصاء والتهميش عندهم وعند الأحزاب القوموية الضعيفة اليوم دين يتبع، إذن لا يمكن أن يكتب لـ”لإجتماع الوطني” بعد عقده أي نجاح. فمن المعلوم بأن الحلول الهشة تبقی وقتية و البنود الغامضة لا تدعم المضي قُدماً نحو بناء الدولة الديمقراطية الفدرالية بمؤسساتها الفعالة والثابتة.
فعقلية الثأر و منطق التعصب و إرادة الظفر ولغة الوعيد والتهديد و مؤسسات الجيش والتجييش والإستنفار و مصانع التعبئة للقطعان البشرية والحشود العمياء لا تولد إلا المخاوف والفتن بقدر ما تنصب جدران العداء المادي والرمزي و حواجز الكره.
لا يجدي حواراً بالقول نحن مع الدستور و ندافع عن حقوق الشعب الكوردستاني في حين أن أنماط التفكير الأحادي المغلق والقوموي و عقلية الإدانة بتهم الخيانة و الإستقلالية والخطابات الرنانة أمام رؤساء العشائر ومجالس الإسناد بصورها النمطية التي تستعدي الآخر المختلف و تشوه سمعته و تؤدي في النهاية الی إنتهاك كل الخطوط والحدود لا تولد إلا التوترات و لا تخلق إلا الأزمات. 
من يڕيد الإندراج في زمنه للمساهمة في صناعة عراق ديمقراطي فدرالي بصورة بناءة، عليه أن يمارس فلسفة الحوار و أن يتمرس بالمدوالة العقلانية المنتجة للصيغ المبتكرة و يبتعد عن منطق النفي والضد والتفكير بعقلية أصولية إصطفائية، لكي ينخرط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش السلمي و التبادل علی أسس مدنية أو حضارية في أطار دولة دستورية تؤمن بالمنطق العلائقي الوسطي التواصلي السلمي و تعترف بالآخر المختلف حق الإعتراف.
وختاماً نقول: “لا شيء يدمر القضايا والمشاريع أكثر من أحادية المرجع والقطب والرأي والصوت والطاغية دوماً تصنعها الثقافة.”