نوري حسين نور الهاشميلا نريد هنا أن نسترسل في بيان الأسباب الحقيقية التي دعت عموم أهل البصرة التوجه نحو المطالبة بجعل البصرة إقليما على غرار إقليم الشمال، فمظلومية البصرة أصبحت واضحة للقاصي والداني ويتكلم عن هذه المظلومية تقريبا جميع ساسة العراق عندما يأتي ذكر البصرة في سياق الحديث…لكن مجرد الكلام عن هذه المظلومية لا يضع حجرا فوق حجر مطلقا، فبقيت البصرة مدينة تبحث عن مَنْ ينقذها ويخرجها من أتون التخلف والخراب والدمار الذي تعيشه…
ويحاول البعض اللعب على عواطف البصريين من خلال تنفيذ مشاريع استهلاكية هنا أو هناك مثله في ذلك مثل من يضع إكليلا من الزهور على جثة هامدة، ضنا منه أن هذه الزهور سوف تمنع التفسخ أو توقفه لكن الزهور سوف تذبل سريعا وتفوح راحة الجثة من جديد لتظهر حقيقة التفسخ الذي أصابها، عليه يمكننا القول وبكل صراحة ومنذ 2003 وحتى الآن لم تتم معالجة التفسخ المتكاثر والمتشعب في جثة مدينة البصرة معالجة حقيقية تجعلها تنهض من جديد على ركام حطامها إنما كل ما يحدث في البصرة عبارة عن ترقيع وترميم لبناء أصابه التلف وبات محتاجا لإعادة البناء…
لكن هذا لا يجعلنا أن نغفل عن دور المحافظين في سعيهم لبناء البصرة ضمن حدود الملاليم التي تتصدق بها بغداد عليهم من المليارات التي تدفعها البصرة إلى بغداد…وما كان هذا ليحدث للبصرة من دمار وخراب لو كان نواب البصرة ممثلين حقيقيين عن طموحات وآمال أهل البصرة لكن للأسف الشديد فإن نواب البصرة أغلبهم مؤدلجين يعملون لمصالح حزبية ضيقة على حساب مصالح مدينتهم…وما نسمعه بين الحين والآخر من كلام صادر عنهم حول مظلومية أهل البصرة يندرج ضمن الأدلجة لصالح أحزابهم ولا يخدم البصرة لا من بعيد ولا من قريب…
الحقيقة البصرة اليوم تعيش على ماء مالح غير صالح للشرب، معامل ومصانع عملاقة متوقفة، بطالة منتشرة بين الشباب، تعاطٍ للمخدرات بصورة غير مسبوقة، انتشار السلاح غير المرخص، والدكات العشائرية المتكررة، وأزمة خانقة للسكن، يضاف إلى كل ذلك كثرة العمالة الأجنبية وبرواتب خيالية في الشركات النفطية العاملة في البصرة على حساب شباب البصرة ومشكلة الوافدين المتجاوزين على أراضي البلدية دون وجه حق…..وغيرها الكثير الكثير.
أما ما يعلن عن تنفيذ مجمعات سكنية هنا أو هناك في البصرة فهذه المجمعات تنفذها شركات ربحية وهي لا تستهدف لا الطبقة الفقيرة من أهل البصرة ولا الطبقة المتوسطة ولا ذوي الدخل المحدود وصولا إلى الأستاذ الجامعي…فسعر هذه المجمعات السكنية وصل بين 250 مليون دينار إلى 300 مليون دينار وهناك ما يسمى بالفلل أسعارها أعلى بكثير…فلو فرضنا أستاذ جامعي “معدل راتب الأستاذ الجامعي مليون ونصف المليون” شهريا فعلى هذا الأستاذ أن يوفر رواتب 20 سنة كاملة دون أن يصرف منها مليم واحد حتى يستطيع شراء بيت في هذه المجمعات السكنية…رغم إن ما يسمى بالمستثمر يأخذ الأرض من البلدية ويبيعها على الناس مباني جاهزة قبل أن يضع طابوقة واحدة فيها ثم بأموال الناس يبدأ بتنفيذ البناء بمساعدة القروض والتسهيلات المصرفية التي توفرها له البنوك والمصارف…بمعنى إن المستثمر لا يحتاج أن يضع درهم واحد من جيبه…ولكنه يجني أرباحا طائلة، والطبقة المستهدفة لشراء بيت في هذه المجمعات السكنية هم في حقيقة الأمر أغلبهم لا يعانون من مسألة السكن إنما عملية توظيف السيولة النقدية عندهم في استثمارها من خلال شراء دور فيها…أما عموم المجتمع البصري وأغلبيته من الفقراء فهذه المجمعات السكنية لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد…ولا يمكن إدراجها ضمن المنجزات التي تحققت لهذا الطرف أو ذلك.
أمام هذه الحالة من البؤس والمعاناة التي يعيشها أهل البصرة يبرز هناك ضوءا في نهاية النفق يتمثل بالدعوة لإقامة إقليم البصرة، وهذه الدعوة قد تصدى لها نخب البصرة واحتضنوها وعملوا عليها طيلة 14 سنة وقد قطعت شوطا كبيرة في هذا الاتجاه حتى وصلت إلى الحكومة المركزية في زمن رئيس الوزراء حيدر العبادي لغرض رصد التخصيصات المالية اللازمة لإجراء الاستفتاء بعد حصول موافقة المفوضية على إجراء الاستفتاء ونشكر هنا على الخصوص جهود النائب البصري محمد الطائي وجهود القاضي ومحافظ البصرة سابقا والنائب وائل عبد اللطيف. لكن حكومة السيد حيدر العبادي في الظروف التي كان يمر فيها العراق والأزمة المالية وفلول داعش لم يَفٌعَل ملف إجراء الاستفتاء على إقليم البصرة أما بحسن نية أو عدم القناعة من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء بأن تصبح البصرة إقليما والملف لا يزال في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء يحتاج من يحركه من النواب الذين يدعون إنهم مع الدعوة لتشكيل إقليم البصرة عند تشكيل الحكومة الجديدة.
هنا يمكن أن نضع نواب البصرة وخصوصا من يقدم نفسه مدافعا عن أن تكون البصرة إقليما على المحك وطاولة الاختبار، كيف نضعهم على المحك وكشف مصداقيتهم؟
نضعهم على المحك من خلال أن يكون هناك شرط أساسي من ضمن عدة شروط أخرى للدخول في ائتلاف مع ساسة الإطار وهذا الشرط الأساسي يتلخص بأن يتعهد ساسة الإطارعلى تنفيذ الاستفتاء المعلق منذ سنين حول إقليم البصرة خلال فترة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر من بدأ الحكومة الجديدة عملها.
فهل يا ترى هم فاعلون؟..حقيقةً إنني أشك في ذلك وهذا الشك لم يأت من فراغ إنما من خلال دراسة موضوعية لشخصيات نواب البصرة الذين يدعون إنهم نواب “مستقلين” ولكن في حقيقة أمرهم هم نواب مؤدلجون تأدلجا كليا لصالح الأحزاب الكلاسيكية الفاعلة في العراق منذ 2003.
اليوم تتعالى أصوات في البصرة لتشكيل تنظيم سياسي تحت خيمة إقليم البصرة، ولكن من خلال استشراف الأمر تبين أن هناك خلطا أو سوء فهم بين:
الدعوة إلى إقامة إقليم البصره وبين
الدعوة إلى تشكيل حزب سياسي يتبنى فكرة الفدرالية وصولا لتحقيق الدولة الفدرالية وعندها يتحقق إقليم البصره.
يعتقد البعض أن هناك تقاطعا بين المسارين فإما أن نتبنى المسار الأول ونكمل ما وصل إليه من نضوج، أو نتبنى المسار الثاني ونمضي به تاركين المسار الأول كليا أو ضاربين به عرض الحائط.
وهذا خطأ كبير لكن كل صاحب مسار يروج لمساره ويعتقد هو الأصح.
الحقيقة التي يجب أن نعرفها أنه لا يوجد تقاطعا بين المسارين إنما هناك تكامل بينهما.
لقد قطع دعاة إقليم البصره شوطا كبيرة في هذا الاتجاه وأنجزت كافة الخطوات حتى وصلنا إلى مرحلة الحصول على موافقة مجلس الوزراء لتوفير التخصيص المالي لكي يتم إجراء الاستفتاء على إقامة إقليم البصرة كما قلنا سابقا…
لذلك أنا أعتقد من الخطأ أن نعود إلى المربع الأول إنما يجب أن نكمل ما تم تحقيقه…
وهنا يأتي دور من يتبنون فكرة إنشاء حزب يتبنى الفدرالية… في إكمال ما تم إنجازه، فمن الخطأ الانتظار ٤ سنوات أخرى حتى يفوز عدد من النواب ينتمون إلى الحزب الجديد لكي نطلب منهم إكمال الخطوات هذا إذا تحقق الفوز…
أنا أعتقد يجب أن نطلب من نواب البصرة المنضوين تحت خيمة التنظيم الجديد أو الداعين إلى تشكيل هذا التنظيم أو الكيان السياسي الجديد العمل على إكمال خطوات إقامة الإقليم من الآن هذا إذا كانوا فعلا مقتنعين بفكرة إقليم البصرة وان لا نخاف من الفشل فالنجاح لا يتحقق إلا بعد عدد من المحاولات الفاشلة…
لذلك يجب علينا العمل بكل جد من خلال البرلمانيين الذين “يؤمنون” بفكرة إقليم البصره على حث الحكومة الجديدة لتوفير التخصيصات المالية لإجراء الاستفتاء على الإقليم قبل الانتخابات القادمة عند ذلك سوف يكون التنظيم الجديد أو الكيان السياسي الجديد قد حقق إنجازا كبيرا واكتسب قاعدة جماهيرية واسعة ربما تؤهله بالفوز في أغلب مقاعد البصرة في البرلمان العراقي الجديد.
المشكلة إن البصرة تترنح بين نواب مؤدلجين يتبنون فكرة الإقليم تارة ويرفضون الفكرة تارةً أخرى حسب ما تشتهي أحزابهم وأين تكمن مصلحة هذه الأحزاب وهم يستخدمون الدعوة للإقليم من باب تهديد القوى الأخرى والأحزاب الأخرى للاستجابه لمطالبهم الحزبية الضيقة…هذان مشخصان من قبل النخبة البصرية ورواد دعاة الإقليم الحقيقيون ولا يعيرون لموقفهم وزنا سواء كان مع إقامة الإقليم يوما أو ضد إقامة الإقليم في اليوم الآخر فألادلجة غسلت عقولهم ونسوا البصرة أو الأصح محوها من ذاكرتهم والدليل ما تعيشه البصرة اليوم…
في الجهة الثانية من ترنح مدينة البصرة نواب يسوقون نفسهم إلى الشارع البصري على أنهم “مستقلون”، لكن في حقيقة الأمر قسما كبيرا منهم مؤدلجون من الباطن والشعب البصري يعرف أنهم مؤدلجون لهذا الحزب أو ذاك وهذه الفئة تتصرف بغباء إذا كانوا لا يعرفون لحد الآن أن الشارع البصري يعرف إنهم مؤدلجون حتى النخاع…هؤلاء المؤدلجون خفيتا ينطبق عليهم ما ينطبق على المؤدلجين علنا.
بقي هناك من نواب البصرة عدد قليل وقليل جدا لا يزيد عددهم عن نصف عدد أصابع اليد الواحدة مقربا إلى أقرب عدد صحيح…هؤلاء لا يزالون يعيشون حالة الصدمة من إستيقاظهم صباحا ليجدوا أنفسهم أصبحوا نوابا، ولذلك تجد حركتهم عشوائية مرة يميلون إلى النواب المؤدلجين خفيتا ومرة أخرى تجدهم يميلون إلى النواب المؤدلجين علنا…ومرة ثالثة يسوقون أنفسهم أنهم مستقلون…حتى لا يعرفوا المساحة التي يسمح فيها القانون بتحركاتهم وقد شاهدنا ذلك في وسائل الإعلام ونموذج وزارة المالية شاهدا على ذلك…وفي ظل هذا العصف السياسي بين الأحزاب في عملية تلبية الاستحقاقات الدستورية يقف هؤلاء مذهولين لا يعرفون كيف يتصرفون…وفي ظل وجود احتمالات إجراء انتخابات مبكرة وخوفهم على فقدان مقعدهم في مجلس النواب فالحجر الذي أصاب في المرة الأولى وجعلهم نوابا قد لا يصيب في المرة الثانية، لا بل احتمالية عدم الإصابة أكثر من احتمالية الإصابة لذلك هم مهددون بفقدان مقعدهم النيابي في أية انتخابات قادمة، لذلك راح بعضهم يفتش عن غطاء يعطيه قاعدة شعبية فلم يجد غير خيمة إقليم البصرة والتأييد لإقامة الإقليم من خلال كيان سياسي يتبنى فكرة الإقليم سلما للحصول على المقعد النيابي من جديد في حالة إجراء أية انتخابات جديدة…وفي حقيقة الأمر بعض هؤلاء لا يعنيهم سواء أصبحت البصرة إقليما أو لم تصبح قدر ما يعنيهم الحفاظ على مقعدهم في البرلمان العراقي…لذلك على دعاة الإقليم الأصلاء الاستمرار في طريقهم السليم وتذليل العقبات التي تقف في الطريق للوصول إلى يوم الاستفتاء.