23 ديسمبر، 2024 7:40 ص

العلاقة وطيدة بين الإقلاق والإملاق , فلكي تفقر مجتمعا عليك أن تقلقه بأية وسيلة متاحة وفاعلة في حياته.
والإقلاق سياسة معروفة إتخذتها القوى المهيمنة على الشعوب , لإشغالها بتفاعلات ضيقة وإستنزافية ترهقها وتبدد طاقاتها وتمنعها من التفكير بحاضرها ومستقبلها , فتتحول إلى موجودات مقهورة ومأسورة بخنادق الويلات والتداعيات.
وأساليب الإقلاق متنوعة ومعروفة , ومن أهمها إذكاء نيران التناحرات ما بين أبناء المجتمع الواحد , ووفقا للقانون الذهبي االخالد “فرق تسد” , والذي ما تمكنت الشعوب المغلوبة على أمرها من بناء المناعة الداخلية ضده , وإنما هي من ضحاياه دوما وعبر مسيرات أجيالها المتعاقبة.
والمنطقة العربية جمانة أرضية وجوهرة إقتصادية وغنيمة ثرية لا يمكن التفريط بها , أو عدم القبض عليها بقوة من حديد وإستباحة مواردها ومصادر الطاقة الهائلة الكامنة فيها , مما يستدعي تحفيز عناصر ومفردات الإقلاق فيها , لإلهاء شعوبها ودفعهم لنسيان ثرواتهم وبلدانهم بل وكراهيتها والهروب منها , كما يجري في الواقع المعاصر الذي صار فيه الناس يحلمون بمغادرة بلدانهم والنقمة على ثرواتهم , لأنها تجلب لهم الحروب والصراعات والموت وتمنعهم من الحياة المعاصرة.
ومن أهم أسباب الإقلاق التي فعلت فعلها في الواقع العربي على مدى عقود هو الإستثمار بالطائفية والمذهبية والتحزبية , وتوفير ممكنات تأجيجها وتعزيزها وشحذها بالطاقات العاطفية والإنفعالية اللازمة لمصادرة العقل والحكمة وقتل الحُلم.
وقد مضت آليات الإقلاق على مدى القرن العشرين ولا تزال في ذروتها وحصادها الوفير , الذي صار الدم فيه هو الفاصل والعنوان , مما حدا بالمجتمع العربي إلى التشظي والتمزق والهوان , فوفر الحواضن اللازمة للشرور والعدوانية الذاتية والموضوعية , لأن الناس المهضومة الحقوق والتطلعات وُضعت في محنة القهر والفتلك بوجودها ومستقبلها , حتى فقدت الحياة معناها وقيمتها , فإنجدرت إلى اللاأبالية والتدحرج الحائر فوق عثراء الدروب.
إن وعي مسببات ودواعي وتطلعات آليات الإقلاق الفاعلة في الواقع العربي , ربما تساهم في الوقاية من تواصل الإنحدارات وتمنع المزيد من التداعيات , وقد تساهم بتوعية الأجيال وتحصينها من أوبئة الإقلاق وجراثيم الإملاق العاصفة في الواقع المعاصر.
ولكي ننتصر على الإملاق لابد من تحدي عناصر الإقلاق , وتوفير الطاقات الوطنية اللازمة للإستثمار في المشاريع التي تقضي على الإملاق.
فلماذا الإملاق في بلدٍ كالعراق؟!!