23 ديسمبر، 2024 2:06 ص

“إقرأ” كلمة ذات معنى واسع ومطلق يبدأ من الملاحظة , ولا ينتهي عند الإدراك والتفكر والتدبر والتعقل وما بعدها.

وهي لا تقتصر على قراءة ما في الكتب , وإنما كل مكتوب فينا وعلينا وحولنا , وفي واقع وجودنا المتجدد المطلق , وما تخطه أبجديات الزمان والمكان , وتؤلفه الأمم والشعوب وتبتكره وتنتجه وتشيده وتستعين به على صناعة مجد الأجيال , ورسم لوحة حياتها بألوانها الدفاقة الإمتداد والجريان.

“إقرأ” هي القدحة الحضارية المعرفية التي تنير دياجير الرؤوس والنفوس والقلوب , وتطلق ما في أعماق الموجودات من مكنونات وجواهر لماعة ذات بريق أخاذ.

“إقرأ”!!
فهل نقرأ؟!!

المجتمعات التي تكوّنت وتألقت تمكنت من التسلق والسموق بالقراءة , وبها تعلمت وتجهزت وتطورت وتقدمت , لأن عقولها تفتقت وتبصرت , وأفكارها تنورت وتألقت , فخبرت مهارات التفاعل الإنتاجي التكويني مع الأفكار , فاخترعت وصنّعت وشيّدت , وتفاعلت أفكارها وتخصبّت ونضجت وتبرعمت وأورقت , وتنامت لتجدها تعيش في مروج معرفية كثيفة غناء ولودة بالمستجدات , ومتسابقة مع بعضها وهي تتوثب نحو الأقوى والأقدر على التسيّد والبقاء.

والمجتمعات العربية كانت في فترة زمنية أكثر رقيا وقراءة وتطلعا من غيرها , لكنها تقهقرت وأهملت القراءة وإستكانت للجهل والتجهيل , وتضللت وتبهتنت بالمتاجرين بدين , حتى صار التجهيل والأمية من أهدافهم العليا وأعمالهم اليومية , التي يحثون الناس عليها وفقا لما يفتون به ويعلنونه على الملأ المغلوب على أمره والغارق في مخاوفه وحيرته.

فمصر والعراق كانا أكثر تقدما وتحضرا من الصين والهند والباكستان والكوريتين في منتصف القرن العشرين , فتقهقر الإثنان وتقدم الآخرون وشاركوا في مارثونات المدنية المعاصرة , ومعظمنا من المتفرجين.

وعندما نتساءل لماذا , يكون الجواب الأرجح ” إقرأ” , فتلك المجتمعات آمنت بالقراءة سبيلا جوهريا للتعبير عن إرادة الكينونة والعزة والكرامة والإقتدار المديد , فقرأت أجيالها وتواصلت بقراءاتها , فكونت أفكارها وإستثمرتها فأوصلتها إلى ميادين المهارات الإبتكارية والخبرات التصنيعية فأنتجت , وإنهمكت في بناء ما فيها من التطلعات والطاقات , فكانت أمم ذات قوة وتمكن وسيادة وأثر كبير في الدنيا , وأصبحنا عالة عليهم وعلى غيرهم , وكأننا لا نعرف معنى ” إقرأ”!!

ولن تكون الأمة إلا بالعودة إلى إرادة “إقرأ” , فبها نكون وبدونها نهون!!