تحلیل للانتفاضة الشعبیة في العراق وآفاقها 2-2
تتجدّد الاحتجاجات في العراق باستمرار. تزامناً مع استقالة رئيس الوزراء “عادل عبدالمهدي” وکیل إیران في العراق، انضمّ آلاف العراقیین إلی الانتفاضة، كانوا من الطلاب والجامعیین والمعلمین الذین قاموا بمقاطعة فصولهم الدراسیة وإغلاق المدارس والجامعات في العدید من مدن العراق للمشارکة في المظاهرات.
أيضاً في نفس یوم استقالة “عبد المهدي”، كانت مدن ومحافظات بغداد والنجف وكربلاء وذي قار والسماوة والكوت والحلة والعمارة والديوانية والشطرة وبعض المدن الأخرى مسرحاً للانتفاضة. وقد تمّ إضرام النیران في قنصلية النظام الإيراني في النجف وإحراق بعض الأماكن الأخرى التابعة للنظام الإیراني وعملائه في العراق. بالإضافة إلى هذا، استؤنفت إضرابات المحتجّین مقابل حقل “مجنون” النفطي، کما يسعی المتظاهرون إلی توسیع نطاق الانتفاضة.
على الرغم من أنّ المتظاهرین -وهم عموماً من الشباب – خرجوا احتجاجاً على البطالة وانعدام الخدمات العامة واستشراء الفساد السياسي والإقتصادي للطبقة الحاكمة، إلّا أنّ مطلبهم الرئيسي هو طرد النظام الإيراني وعملائه العراقیین من بلادهم.
ولهذا فإنّ الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء المخلوع “عادل عبد المهدي” لم تشف جرحاً من جروح النظام كما لم تشف غليل المحتجين الذين يدركون مكمن الخطر، وفشلت سيناريوهات النظام المختلفة في استعادة الوضع السابق أو حتى الحفاظ على الوضع الراهن. ومن الضروري هنا معرفة ما هو سبب استمرار الانتفاضة وما هي آفاقها؟
لا شك أن حلّ هذا اللغز یکمن لدی المتظاهرین العراقيين. على الرغم من أن السبب الرئیسي لاندلاع الانتفاضة وتصاعدها هو الأوضاع المعیشیة المتدهورة لغالبیة العراقيين خاصة الشباب، إلا أنّ الإجابة علی السؤال تکمن في وعي الشعب العراقي بالدور المدمّر للنظام الإيراني. الآن وباستثناء عملاء هذا النظام، لا يمكن العثور على عراقي شريف يحترم النظام الإيراني ویعتبره صدیقاً للعراق والعراقیین أو یراه حلاً وعلاجاً لمشاکل البلاد. غضب واستياء المتظاهرین من النظام الإيراني برمته، وعلى وجه التحدید “علي خامنئي” و”قاسم سليماني” قائد فیلق القدس التابع لقوات الحرس یوضح هذا الواقع بجلاء.
العديد من الشباب المحتجّین الذين ولدوا في السنوات الأخيرة من فترة حکم النظام السابق أو بعد الغزو الأمريكي للعراق، أکملوا الآن تعليمهم في المدارس الثانوية والجامعات وينتظرون الحصول على وظيفة. جمیع الحكومات المتعاقبة على العراق منذ عام 2003 أي منذ سقوط بغداد، فشلت في حل المشاكل السياسية والإقتصادية لهذا البلد وشعبه بسبب هيمنة النظام الإیراني ونفوذه الواسع في العراق والذي تَجسّد في عملیات القتل وقمع المعارضین واستشراء الفساد الحکومي والإقتصادي . وفقاً لتقارير وسائل الإعلام العراقیة ، فإنّ أكثر من 400 مليار دولار من إيرادات العراق مفقودة، ومن المؤکد أنّ معظمها قد دخل في جيوب النظام الإيراني. من المؤسف أنه لا توجد قوة تقضي علی هذا الفساد، ولا تزال عملیات النهب تستنزف ثروات الشعب العراقي وتصبّها في إیران بشکل یومي.
وفقاً لعلامات ساطعة الوضوح، تعتقد الأوساط المراقبة للشأن العراقي أنّ مسؤولي الحكومة العراقية فوجئوا بزخم الانتفاضة ومداها واستمرارها. إذا أخذنا هذا الأمر على محمل الجد، سنخلص إلی أنّ المسؤولين العراقيين مؤيَّدون من قبل نظام معاد للشعب العراقي أي النظام الإیراني بدل أن یکونوا مؤیَّدین من قبل الشعب العراقي نفسه. لأنهم يعتمدون على دعم النظام الإيراني وتأییده لهم قبل أن يأخذوا آراء الشعب العراقي بعین الاعتبار. يتواكلون علی نظام یوشك علی الانهیار والسقوط بفعل إرادة الشعب الإيراني والمقاومة الإیرانیة. وقد شهدنا في الأسابيع الأخيرة مرحلة جدیدة من انتفاضة الشعب الإيراني ضد نظام الملالي.
عند مقارنة اتجاهات وبيانات وردود أفعال النظام الإيراني والحكومة العراقية فيما يتعلق بانتفاضة شعبي هذين البلدين، يظهر لنا جلياً العديد من أوجه التشابه، ففي إيران استشهد أكثر من 1000 شهید علی ید قوّات الأمن. وفي العراق استشهد أكثر من 400 شهید من المتظاهرین. يزيد عدد الجرحى والمعتقلين في كل من هذين البلدين عن الآلاف. تحاول الحكومتان خلق فجوة بين الناس والمتظاهرین من خلال سيناريوهات مستهلکة تثیر الإشمئزاز، تحاول تشویه صورة المتظاهرین وتعریفهم علی أنهم شرذمة من مثیري الشغب والمخرّبین، وبالتالي تحاول كبح جماح غضب الشعب وکراهیته للحکومات على مر السنين. لكنهم یحاولون عبثاً، فالشعبین العراقي والإیراني لن يرضيا إلا بالإطاحة بنظام الملالي وعملائه والقضاء علی حكمهم المشين.
ولا یغیب عن الأوساط الواعیة الفرق بین العراق وإیران، فرأس الأخطبوط موجود في إيران وأذرعه موجودة في العراق. لذا فإنّ عمل الشعب الإیراني ومقاومته أصعب إلی حد ما. لكن یتوحّد الکفاح، فالعدو الواحد، والمصیر الواحد بين هذين الشعبین وبقية شعوب الشرق الأوسط إلی حدّ کبیر.
في العراق، ألّح الشعب العراقي علی إقالة “عادل عبد المهدي” من منصبه خلال الانتفاضة التي استمرت شهرين. في حین أنّ النظام الإیراني کان یمنع هذه الخطوة بکل ما أوتي من قوة. إقالة “عبد المهدي” الذي یبدو للوهلة الأولی أنه لیس عمیلاً من الطراز الثقیل للفاشیة الدینیة في إیران، کان بمثابة “أحد الخطوط الحمراء” لخامنئي واختراقها بمثابة ضربة قاسیة لنفوذ الولي الفقیه في العراق. منعاً لحدوث مثل هذا السيناريو أرسل “خامنئي” “قاسم سليماني” إلى العراق وأجبر الساسة والمیلیشیات المؤيدية على الدفاع عن “عبدالمهدي”.
إقالة “عبد المهدي” من منصب رئیس الوزراء هو في الحقیقة انتصار كبير للشعب العراقي وهزيمة مذلّة للملالي، وقد مرّت الانتفاضة العراقية مع هذه الخطوة بنقطة تحوّل هامّة. وقد احتفل المتظاهرون في بغداد والمدن العراقية الأخرى بأولی إنجازات صمودهم ومقاومتهم المتجلّیة باستقالة “عبدالمهدي” وشعروا بالفخر والاعتزاز.
ما سيكون حاسماً ومصیرياً من الآن فصاعداً بالنسبة للمتظاهرین العراقیین هو خريطة الطريق التي سیرسمونها لبلدهم. ینبغي علیهم التأهّب جیداً لسيناريوهات النظام الإیراني الجدیدة التي ستؤدي في النهاية إلى بسط نفوذه وهيمنته على العراق ولابدّ من مقاومتها. لذلك من المهم جداً ألا يبتعد المتظاهرون العراقیون عن التركيز على قطع أذرع نظام الملالي وطرد عملائه من بلادهم. هذا الأمر سیکون سرّ النجاح والنصر بکل تأکید، وبناء علیه سیجدون الشعب الإیراني والمقاومة الإیرانیة إلی جانبهم.