22 ديسمبر، 2024 3:17 م

إقالات المحافظين الجماعية

إقالات المحافظين الجماعية

كما نتصور أو يراد لنا هذا لا زال العراق يسير على خطى الديمقراطية كما رسمها الدستور الذي اعد في ظروف خاصة في غفلة من الشعب العراقي وتحت ضغط مارسته الحاجة لتثبيت أسس دولة حديثة بمقاسات عصرية ووفق ما نراه من تخبط في هذا المنهج فقد تم إقالة عدد من المحافظين على التوالي من قبل مجالس المحافظات في كل من محافظة ذي قار ومحافظة كربلاء ومحافظة القادسية بينما أقال البرلمان العراقي سابقا محافظ نينوى ربما على اثر حادثة غرق العبارة المشئوم الذكر وقد حصل هذا في محافظة بغداد أيضا وأصبح لها محافظين اثنين لولا تدخل المحكمة الإدارية في حسم الموضوع وهذا من الأمور السليمة التي تحقق لمن يمثلون الشعب تمثيلا حقيقيا ممارسة سلطاتهم على المسئول التنفيذي في محافظته حين يسيء الى مركزه بأية وسيلة ولا اعتراض في ذلك ما دام يحقق المصلحة الوطنية ولكن أيضا من حق المواطن الذي يسمع الخبر سواء كان من سكان تلك المحافظات أو من غيرها أن يفهم الأسباب التي دعت الى ذلك القرار الجريء وما هي النتائج المترتبة على قرار إقالة المحافظ خصوصا وان مجالس المحافظات والمسئولين فيها من أعضاء من هم بدرجة محافظ وما دونهم في الدرجات الخاصة يعملون في الوقت الضائع حيث انتهت دورتهم الانتخابية وتم تمديدها في البرلمان (وهذا احد مطبات الدستور) لأسباب تخدم الكتل السياسية الرأسية المشاركة في الحكم وها نحن على أعتاب دورة انتخابية جديدة.

تقريبا مرت خمس سنوات واغلب السادة المسئولين في مناصبهم واعتدنا أن نسمع عن التظاهرات الشعبية تتجدد بمعنى أن هناك خلل واضح قد شخصه شباب الشارع العراقي وقد وصل به حد نفذ معه الصبر والتحمل والملل الذي لا يطاق فصار مبعث وسبب لانطلاق التظاهرات مع وجود أياد خبيثة تغذي هذا التوجه فهل كانت مجالس المحافظات تغط في سبات عميق واستيقظت الآن وجددت نشاطها وأدركت إن هؤلاء الأشخاص لا يصلحون لان يكونوا في مناصبهم أم إن هناك سر لا يريد احد الإفصاح عنه كجزء من الصراع على المناصب فيما كانت الأيام تمر على سوء إدارتهم لمحافظاتهم والاهم من كل ذلك أنهم أقيلوا على خلفيات فساد وسوء إدارة ومن الطبيعي أنهم قد ناقشوهم وفق أدلة مثبتة لدى المجالس لم يستطيعوا نفيها وبهذا فان الحق القانوني والشعبي والالتزام الديني والأمانة الوطنية تحتم على تلك المجالس إحالتهم الى القضاء ليكون الفيصل ولينالوا ما يستحقون من عقوبات واسترداد الأموال التي فسدوا فيها الى خزينة الدولة فهي حق للشعب والسكوت عن هذا الإجراء معناه تعاطف مع المتهم على حساب المواطن ويعتبر بحكم الخيانة الوطنية أم إن الأمر فقط من اجل إزاحته عن منصبه ليشغله غيره من المتنافسين وفي هذه الحالة يفترض بالادعاء العام التدخل لإدانة الجميع إبتداءا من المتهم حسب التهمة والساكت عنه إذا لم يقدم مستمسكاته الثبوتية كما حصل مع محافظ نينوى السابق السيد نوفل العاكوب والا فان لهذا معنى واحد هو الكيل بمكيالين والتعامل وفق مقياس قوة الكتل التي ينتمي اليها المحافظ المقال.

بالتاكيد الشارع في تلك المحافظات لا يتقصد الإساءة الى احد المحافظين وإنما الكل يهدف الى إحقاق الحق فربما كان المحافظين قد تعرضوا الى ظلم مجالس محافظاتهم أو أنهم قد استهدفوا لأسباب سياسية لعدم وجود شفافية في المسائلة والإجراء وبهذه الحالي فان من واجب القضاء أن يرد اعتبارهم إليهم.

طيب يتبادر الى الذهن سؤال هو هل إن باقي المحافظين يتمتعون بدرجة عالية من الثقة من قبل المواطن في محافظاتهم أي هل أنهم يحضون بثقة المواطن ولا شائبة على طريقة عملهم أم إن كتلهم وفرت لهم غطاءا يحميهم أو إن تحالفاتهم مع غيرهم وفرت لهم منعة من المسائلة وإذا كان هذا صحيحا فما معنى التظاهرات التي تجري بشكل يكاد يكون متواصل يوميا في محافظة البصرة مثالا لا حصرا ومن أهم مجرياته الهجوم على منزل البزوني رئيس مجلس المحافظة وما تلاها من تدخل قوات مكافحة الشغب واطلاق نار وان لم تحصل والحمد لله إصابات لكنه حصل لتفريق المظاهرين وفض التظاهرة بالقوة.

إذا كان رأي المواطن مسموع وهناك من يلبي له مطالبه وإذا كان المسئول يعمل بشفافية وإذا كانت الديمقراطية هي مبدأ عمل الجميع وإذا كانت الأجهزة التشريعية والتنفيذية ممثلة حقيقية للشعب انتخبها بمحض إرادته كما هو معلن فلماذا لا يستجيب احد لأصوات هذه الحناجر التي بحت إبتداءا من اصغر شاب مشارك في التظاهرات صعودا الى المرجعية الدينية بل وحتى قيادات بعض الكتل السياسية المشتركة في الحكومة فالصوت يبلغ مداه لكن الأذان سدت عن سماعه وان كانت قد استوعبت المطلب لكنها لا تريد الاستجابة له وفي هذه الحالة لا شك إن المعني بالأمر المقصود لا يمثل المواطن ولو بالحد الأدنى ولا ينبغي له التحدث باسمه ولا أن يقرر بالنيابة عنه وإنما هو متسلط عليه بطريقة ما ويخطط ويعمل من خلال منصبه على رعاية مصلحته الشخصية ومصالح حاشيته فقط وهو موجود في مكانة عنوة وبالقوة رغما عن الجميع وتصبح إزالته أولا مطلبا شعبي مهم لابد من تحقيقه بأية طريقة.

هذا لا يعني إن الجميع هم فاسدون فلابد من وجود من هم في قمة النزاهة وبهم تسير مراكب الوطن ولا يعني إن المواطن وهو الهدف في كل هذا الكلام بريء ولا يتحمل جزء من المسئولية فدوره لا يقف عن المطالبة بحقوقه إنما عليه هو الآخر واجبات إضافية ووسائل تخدم هدفه كتحديد الشخصيات الفاسدة وكشفها بالوثائق وفضح من يساندهم وابتكار طرق جديدة تتناسب مع حجم فسادهم لا لإبعادهم عن السلطة فحسب وإنما لمحاكمتهم واسترجاع ما سرقوه.

لقد مرت كل الشعوب المتقدمة في غرب الأرض وشرقها التي تنعم بالحرية والتقدم بما يشابه ما نمر به اليوم من ظروف وقد تكون اشد قسوة وأكثر مرارة لكنها استطاعت أن تسترجع عافيتها وتنهض بنفسها وتعيد بناء أوطانها عندما شخصت أماكن الخطأ وأدركت وسائل معالجتها