19 ديسمبر، 2024 1:13 ص

إفادات الإقتراب من الموت ، بين الحقيقة والخيال

إفادات الإقتراب من الموت ، بين الحقيقة والخيال

هنالك عشرات الآلاف من مرضى ماتوا سريريا ثم إستيقظوا ، ليُدلوا بشهادات معاينتهم لقضمة الموت من وقتهم الضائع في غياهب عالم الغيب ، كيف عايشوه وهم يصفون ما رأوه من نافذة فتِحت لهم بين عالمين ، وبغض النظر عن أقوال المتشككين ، بل المتشددين الذين يعتبرون هذه الظاهرة دعاية لدين أو رموز معينة ، إلا إنها موثّقة ومعروفة جيدا من قبل الأطباء أو الباحثون المختصون بهذا الحقل الغريب ، والتي تُعرف بتجربة الإقتراب من الموت (Near Death Experiment) أو (NDE) إختصارا ، والدافع لهذا التوثيق إحصائي بحت وليس بحثيا أو أكاديميا ، فالغيبيات والروح في علم الطب ، غير معمول بها على الأطلاق رغم كثرة وقوة الشهادات في هذا المضمار ، لهذا يجد الأطباء أنفسهم في مأزق ، بين تواتر تلك الشهادات ، وبين العلم المجرد من أي روحانيات هذا الذي درسوه وكأنه شرط ، والطب كعلم مجرّد ، يعتبر هذه (المعاينات) ليست سوى صورة ذهنية للهلوسة المرئية (Visual Hallucinations)  ، شبيهة بتلك التي تعتري متعاطي المخدرات القوية كعقار (LSD) ، وهي نشاطات في الدماغ كرَدّ فعل لنقص الأوكسجين ، فيقوم بإفراز هرمونات خاصة ، هي من يسبب هذه الهلوسات ، هذا هو تأويلهم لهذه الظاهرة .
ولكن ماذا عن شهادات لا تُعد ولا تُحصى عن مرضى مروا بهذه المرحلة ، وهم يصفون بدقة مثيرة للأستغراب ، كلام الطبيب وتصرفاته ، ووصف لأدواته الطبية وكل حواراته أثناء موتهم سريريا وتوقف جهاز مسح موجات الدماغ (EEG) ؟ ، بل الأكثر من ذلك ، فالكثير من هؤلاء المرضى ، يصف بالصوت والصورة حالة ذويه في غرفة الأنتظار البعيدة عن سرير إحتضاره ، وماذا عن آلآلاف من شهادات  العائدين من رحلة الموت هذه ، وقد أفشوا بعد هذه الرحلة ، أسرارا سببت الدهشة لحامليها الأحياء الذين وعدوا أنفسهم بحملها إلى القبر ! ، ووصف دقيق لأجدادهم أو ذويهم المقربين من الموتى ، رغم البعد الزمني الشاسع لوفاتهم ؟!.
هنالك تشابه كثير بين تلك الشهادات ، وهو خفة الوزن ، والطفو خارج الجسد ، أي أنه يرى جسده المسجى ، وهنالك النفق والضوء ، والشعور العالي بالحب غير المشروط (Unconditional Love) ، المناظر الباهرة والألوان التي تعجز عن رؤيتها بالعين الدنيوية ، والشعور بالإلمام التام بكل المعرفة ، والراحة التامة وشحذ غير مألوف دنيويا لكل الحواس ، وكأن ستارا أو غطاءً قد رُفع عن بصيرتنا ، قال تعالى مخاطبا الإنسان المحتضر : (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )… سورة (ق) الآية (22) ، إلى درجة أن يتشبث الاشخاص المارّون بهذه التجربة بعالمهم الجديد ، وحزنهم من العودة إلى الدنيا عندما يسمعون صوتا عند غالبية الإفادات ، من إن وقتهم لم يحن بعد ، والكثير منهم عانى من الوان العذاب والخوف والشعور بالبرد أو الحر الشديدين ، والتعرض للضرب والأهانات والكلمات النابية من قبل مخلوقات توصف على أنها شبيهة بالبشر ، وبعد عودتهم أعترفوا أنهم ارتكبوا الكثير من الأخطاء (الخطايا Sins) في دنياهم ! .
مقاطع (اليوتيوب) تطفح بهذه الأفادات ، ورغم تشككي البالغ في كل ما يُبث على هذا الموقع ، فقد نأيتُ بنفسي عن المقاطع الشخصية لمن يدّعي مروره بهذه التجربة ، وأتجهت الى المقاطع الوثائقية التي تبثها واجهات إعلامية رصينة في كل من أوربا وأمريكا ، وهي تعد الدراسات المنطقية لظاهرة لامنطقية (على الأقل من الناحية الوجودية) ، في محاولة لأيجاد تأويل لهذه الظاهرة التي تبدو وكأن وعي الأنسان (Human Consciousness) يتقلب بين وعي دنيوي ، ووعي آخر غير معروف ، والكثير من علماء الأجتماع يعتقدون ، أن وعي الأنسان يقع خارج جسده ، فعلى الأقل ومن ناحية الذاكرة ، فأن دماغ الأنسان كموجود مادي لا يتسع لهذا الكم الهائل من الذكريات ، فضلا عن فلسفته وتوجهاته وطريقة تفكيره وأمور أخرى كثيرة ، ولا بُد من وجود (منفذ) آخر يستخدمه الأنسان لأيداع وأستدعاء ذكرياته ، وكأننا جزء صغير من (كومبيوتر عملاق) ! .
أما في عالم الأحلام ، فإنك ترى مشاهدا واشخاصا وألوانا وتشم روائحا وتتكلم وتسمع وتحس ، لكنك مسجىً في فراشك ، وجميع أعضاء حواسك كالعينين واللسان والأذنين معطلة ، لكن الطب وعلم النفس ، يعزي ذلك إلى مخزون دماغي يقوم بترتيبه على شكل صور وحوارات ومناظر كصور إنعكاسية (Reflex Images) وهي كصمام الأمان ، تغلب عليها نزعات الرغبات المكبوتة (Repressed desires) ، لكن ماذا عن إقتراح الحلول التي لاتخطر على بال في الأحلام لهذه الرغبات أو الحاجات ، والتي تمتلئ الكتب بحوادث من هذا النوع ، على صعيد العلوم أوالإختراعات أو الفن ؟ ، ماذا عن إشارات تحذير لحدث مستقبلي (ولكل منا قصته في هذا المجال) !؟ ، وكل منا عاش لحظات في موقف معين يمر به لأول مرة ، لكن (ذاكرته) تملي عليه بإلحاح ، أنه مرّ به في السابق !، ظاهرة ذات شعبية عريضة يُطلق عليها (ديجافو Deja Vu) ، وتعني بالفرنسية (رأيتُ ذلك مسبقا) ! .
نحن نعيش في عصر ينوء تحت سطوة موجة الإلحاد ، ويُنظر (عالميا) للأنسان الذي يؤمن بالله وبالغيبيات التي يجب تمييزها عن الخرافات ، على أنه سطحي وغير علمي وليس محل ثقة ، بل يصل الأمر الى عزله وكأنه منبوذ ! ، ولهذا الأمر أسباب كثيرة ، منها ردات الفعل التي أخذت بُعدا تشدديا هي الأخرى على إساءة استغلال الأديان ، كمحاكم التفتيش  الكنسية في أوربا ، و(داعش) لدينا ، وسائر أنواع التشدد الديني ، التي جعلت من الأديان وحشا يهرب منه الخلق غلى درجة التمرد ، لكن الأمر ليس كذلك ، فالكثير من العائدون يقولون ، أن الموت لا بأس به ، لا بأس به على الإطلاق !.