بعد مايقارب العقدين من البث الفضائي الذي إنطلق كفرع عراقي من القناة الأم، هاهي قناة “الحرة-عراق” وفي قرار مفاجئ أعلنته إدارة مؤسسة MBN الممولة من الحكومة الأمريكية إغلاق القناة وتقليص الميزانية بنحو 20 مليون دولار وتسريح مايقارب 160 موظفاً حسب ما صرح به مدير المؤسسة جيفري غدمن.
إغلاق قناة “الحرة-عراق” تزامن حسب مراقبين في الوقت الذي يتمدد فيه الخطاب الإيراني أو إعلام الجماعات المتحالفة معه على حساب التأثير الأمريكي وهي فرصة وجدها أولئك لتسجيل نصراً إيرانياً على أمريكا.
قبل عام 2003 لم يكن العراقيين قد عرفوا “أطباق الستلايت”، كانت سطوح منازلهم تخلو من هذه الوسيلة التي حولّت العالم إلى قرية صغيرة.
كان النظام السابق يفرض قيوداً مشددة تصل إلى الحبس لكل عراقي ينصب صحناً لاقطاً على سطح منزله لمتابعة ما يدور من أخبار وأحداث تتناقلها وكالات الأخبار وقنوات التلفزيون التي تتوزع في أنحاء العالم، حيث تصل جريمة هذا الفعل إلى الإتهام بالتخابر والتجسس مع جهات أجنبية.
ظل التلفزيون الحكومي هو البوابة الوحيدة التي من خلالها يستطيع المواطن المشاهدة ومتابعة ما يدور من أحداث تخص بلده.
في حينها كانت وكالة الأنباء العراقية إحدى المؤسسات التابعة لوزارة الإعلام الملغاة بأمر الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر هي الدائرة الوحيدة التي تمتلك “الستلايت” لأغراض يفرضها العمل، لذلك كنا نحن العاملين في الوكالة نشاهد بالصورة والصوت كيف تُحشّد أمريكا الجيوش وتهيئ المعدات العسكرية وهي تقترب من الحدود العراقية لإسقاط النظام العراقي السابق، حتى إننا شاهدنا في بعض اللقطات كيف يتمرن الجنود على إرتداء أقنعة الغاز خوفاً من كيمياوي صدام الذي قد يُبيدهم!.
في ذلك الوقت كانت قناة العربية التي تأسست حديثاً في مارس 2003 تسجّل حضوراً إعلامياً عربياً ورديفتها الجزيرة القطرية هي أفضل ما يمكن متابعته لإستقراء المعلومة الدقيقة إضافة إلى فن صناعة الخبر والمهنية في نقل الرسالة الإعلامية، وهو ما جعل أمريكا تواجه تحدياً إعلامياً كبيراً في كيفية وقف ذلك المد الإعلامي العربي الذي يدخل عقول المتلقين بمهنية ومصداقية العمل الإعلامي التي تقترب من مخاطبة العقل العربي بأسلوب الحيادية بعيداً عن الإثارة والتشويش.
أدركت أمريكا إن تلك القنوات العربية تعطي المساحات الواسعة من البث لخصوم الولايات المتحدة، لذلك كان لابد من وجود حل، ذلك الحل الذي أعلنه وزير الدفاع الأمريكي حينها دونالد رامسفيلد بنفسه إن بلاده ستُطلق محطة تلفزيونية للرد على تلك القنوات.
في أول بث لها عام 2004 الذي إنطلق من موقع قريب من العاصمة واشنطن، كان الفشل رديفاً لهذه القناة بإعتبارها كانت تمثل أداة دعائية للسياسة الأمريكية تجاه الشعوب العربية الغاضبة من تصرفات جورج بوش الإبن تجاه أوطانهم.
إستغلت أمريكا خلو العراق من القنوات العراقية سوى الشيء القليل لتعلن عن تأسيس فرع عراقي من الحرة تحت عنوان “الحرة-عراق” حيث دخلت هذه القناة بيوت العراقيين بإمكانات مادية ضخمة مدعومة من الإحتلال الأمريكي وسفارته في بغداد رغم إن هذه القناة كانت ما بين مد وجزر مع الحكومات العراقية المتعاقبة، إضافة إلى بعض المواقف المتخبطة التي وجدها الشعب العراقي فرصة لإنتقادها، مثل موقف القناة من أحداث ثورة تشرين 2019 وعدم حياديتها في بعض الأحداث التي شهدها العراق وشعبه.
في عام 2017 تم إغلاق مكتب القناة في بغداد وتسريح معظم العاملين في مكتبها وقيل حينها حسب “الإعلام الولائي” إن التسريح كان لأسباب طائفية، حينها بدأت سياسة التخبط الأمريكي في العراق تزداد خصوصاً مع ظهور قنوات عراقية أو عربية قريبة من الجمهور في نقل الواقع والرسالة الإعلامية الصحيحة التي تقترب من الجمهور وإنتشار وسائل التواصل الإجتماعي.
مضت إذاً قناة” الحرة-عراق” إلى الإغلاق بعد أن أدركت إدارتها إن هذه الوسيلة لم تعد تضيف شيئاً إلى عقول العراقيين وربما لم تعد متابعة كما كانت في بدايتها بعد أن تركها جمهورها إلى قنوات إخبارية أخرى أو إلى فضاء السوشيال ميديا، وفي كل الأحوال كان خبر الإغلاق مفرحاً للكثير خصوصاً من وجدها فرصة لإعلان ذلك الغلق بداية لإنسحاب القوات الأمريكية من العراق، فهل تصدق تلك التوقعات؟…لا نعتقد ذلك.