قرأت ذات مرة قصة قصيرة جداً يتحدث كاتبها بما معناه: أن مدرب لألعاب القوى قال لفريقه أثناء التمارين: هناك فتاة تُغتصب، وأشار بأصبعه، فركضوا جميعاُ، وحطموا كل الأرقام القياسية لنفس المسافة على مر التاريخ.
يبدو أن المسافة التي أشار لها المدرب، لم تك بعيدة جداً، ولكنها مساوية لأحد مسافات السباقات الدولية القصيرة، لذا إنطلقوا دون تردد أو تخطيط لتوزيع الجهد.
شعر أولئك اللاعبون، أنهم يركضون ويتسابقون على جائزة أثمن من كل الجوائز العالمية، والهدف أنبل من كل الأهداف المعنوية والمادية والجهوية، رغم أنهم لا يملكون أية وسيلة للهجوم أو الدفاع، وأجسادهم عراة لا يقيها شيء عن الضربات، أمام غاصب ربما يملك من القوة والسلاح والمكر، لكن هبتهم وتفكيرهم الموحد، من أهم عوامل قوة الإتحاد وإتحاد القوة.
الرياضة كالسياسة لا تعتمد القوة والقدرة فحسب، بل تحتاج العقل، والسياسة سباق وترويض نفس وركضة، لإنتزاع الحقوق من مغتصبيها، وإيصالها لمستحقيها، لكنها طويلة المسافات، وتستمر لأربعة سنوات، لذا لا يُستهلك الجهد معظمه في بداية الإنطلاق (فترة تشكيل الحكومة)، ولا يختزن لنهاية المضمار (نهاية عمر الحكومة والسباق الإنتخابي)، وبين هذين المسافتين وخلالهما، عوائق ومطبات، وظروف إستثنائية وطارئة.
تقسم بعض القوى السياسية معظم طاقتها بين أيام الإنطلاق وختام المضمار، فتبذل الجهد ليل نهار في تشكيل الحكومة، وربما يصل بعضهم وكأنهم إنسان خارق، ولا ينام أيام بلياليها، سيما إذا كان موعود بمنصب كبير، أو يخاف على فقدان مغنم غزير وتستنزف القوى السياسية أموالها وشعاراتها ووعودها، وتتبع الوسائل المشروعة وغيرها لكسب ود الشارع عند الإنتخابات، وكل واحد منهم يَشغر أو يُشعِر أن العملية السياسية ستغصب أن توالها غيره صالحاً كان أو طالح.
لو كان العمل السياسي طلية الدورة الإنتخابية، بجزء بسيط من هذه الهمة والركضة، أيام الإنتخابات وتشكيل الحكومة، وإقتصر العمل على النهار بقدر المسؤولية والواجب، لما وصل الواقع الى هذا التردي، ولما أغتصبت العملية السياسية من فاسدين وإرهابيين وملوثي سياسة، عاثوا في أرض العراق فساداً، ونهبوا أموال العراق ليودعوها مع عوائلهم خارج الحدود، وإغتصبوا كرامة العراق بسلاح المكر ورداء الوطنية، وكل مرة يعودون مسرعين لإغتصاب ما تبقى من العراق، في خطط تُحاك في غرف السياسة، وكأن العملية السياسية حُبلى بمولود مشوه نتيجة إغتصاب جماعي.