لم تكن استضافة جمهورية مصر العربية لمؤتمر قمة المناخ ضربا من الرفاهية أو نابعة من صدفة الاختيار العشوائي ، هذه حقيقة يمكن للمتابع رصدها بتفاصيلها وإحداثياتها ، فمنذ إعلان مصر تقريرها ” مصر المسيرة والمسار ” عن التنمية المستدامة بها والمشروعات القومية تتوالى وتتدافع بصورة متميزة لاسيما فيما يتعلق بالتغير المناخي والاقتصاد الأخضر ، فوجدنا مشروعات مثل شبكات الألياف الضوئية ، وتطوير المزارع الحقلية والبستانية ، كذلك تحويل تشغيل ثلاثة آلاف مخبز يعمل بالغاز الطبيعي . أيضا كهربة إشارات السكك الحديدية العتيقة ، فضلا عن محطة الرياح بخليج السويس ، كما أطلقت مصر ثلاث حملات أو بالأحرى مبادرات صوب التحول الأخضر أبرزها حملة ” اتحضر للأخضر ” مفادها نشر الوعي البيئي وتغيير السلوكيات المتعلقة بالتغير المناخي ، وحملة ” الرئة الخضراء ” التي تمثلت في زراعة مليون شجرة ، وأخيرا حملة ” بلو لاجون ” التي استهدفت زيادة الوعي بأهمية المحميات الطبيعية في مصر.
إذن فالمشهد لم يكن عابرا عند اختيار مصر لعقد أبرز وأخطر مؤتمر عالمي للتغير المناخي COP27 وخصوصا أن مصر استثمرت خلال عامي 2021 و 2022 مبلغ 144 مليار جنيه في الاستثمارات الخضراء من مثل النقل النظيف وتحسين البيئة والزراعة والري والتعليم ، وقطاعات الإسكان والطاقة والصناعة أبرزها مجمع ” بنبان ” للطاقة الشمسية ، مع سعي الإدارة المصرية في التوسع الأخضر عن طريق إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي ينجم عن احتراق الهيدروجين بالأكسجين لتوليد طاقة صفرية الكربون لاسيما وأن مصر تمتلك رصيدا وافرا من الغاز الطبيعي الذي يعد المصدر الرئيس لإنتاج الهيدروجين. والهيدروجين الأخضر مهمته خفض الانبعاثات الضارة وضمان أمن الطاقة وخصوصا أن تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة أفادت وجود 162 مليون طن كربون تملأ هواء الكرة الأرضية.
ورغم نجاح مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بهدف البناء COP27 وهو الأمر الذي يشهده العالم منذ أسبوع ويزيد ، وقدرة مصر على جعل الصياغات التنظيرية محط تنفيذ وتفعيل لقرارات أممية سابقة وهذا الالتفاف الدولي المبهر من قيادات وزعماء العالم نحو القمة ، والتميز الرئاسي الذي تجسد في الحضور والفعالية المتجددة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واهتمام القيادة السياسية المصرية بقضية المناخ والتغير الطقسي الذي بالفعل يؤرق سكان الأرض ، كل هذه العوامل كفيلة بنجاح المؤتمر وفعالياته من ناحية ، وتحويل الجلسات وما تخللتها من رؤى إلى واقع يتم تجسيده على أرض الواقع بالفعل.
لكن ثمة مشاهد أخرى على الشاطئ الموازي تجعلنا نؤكد وجود مستدام لنظرية المؤامرة تسعى وتستهدف تقويض كل مساعي مواجهة التغير المناخي ، بالبرغم من هذا الاهتمام القومي داخل مصر والعالمي الذي تمثل في مشاركة 197 دولة بواسطة 40 ألف مشارك في قمة المناخ المنعقدة بمصر حاليا ، وجبت الإشارة واقتضت الضرورة إلى ثمة مؤامرة تُحاك في بقاع شتى ليست من أجل تدمير الكرة الأرضية بل الاستيلاء على العقول وتسيير الأمم والشعوب .
وبدون مبالغة لفظية فإن المطالع لما كتب عن ثورة المناخ وقضية التغير المناخي بالضرورة اطلع على كتاب جيمس برايدل James Bridle المعنون بـ New Dark Age يعرف وجود ظاهرة الكيمتريل Chemtrails والتي تشير باختصار إلى يقين وجود مؤامرة كونية لمعالجة الغلاف الجوي ، مهمتها السيطرة على العقول واستعباد البشر من خلال إعادة هندسة المناخ على حد وصف المؤلف ” لأغراض شريرة ” ، وأنه بات من الضروري على بعض القوى العالمية استخدام الطقس كبديل للهيمنة على ساحة المعركة وهو الأمر الخفي في العمليات العسكرية غير المنقطعة بين روسيا وأوكرانيا الآن.
وتشير التقارير المناخية أن أول ظهور للكميمتريل كان في تسعينيات القرن المنصرم ، حينما كشفت القوات الجوية الأمريكية عما كانت تسعى إليه في خفاء والحقيقة كانت أكثر مرارة وربما الأكثر دهشة للقارئ ، ففي تقرير سري حمل عنوان ” الطقس باعتباره عاملا لمضاعفة القوة : الاستيلاء على الطقس في 2025 ” ، كان هذا التقرير يفيد تمكين الجيش الأمريكي من خلال باحثي سلاح الطيران بالتحكم في الطقس وتحفيز هطول الأمطار أو منعه من أجل السيطرة على ساحات المعارك التي تتواجد بها القوات الأمريكية .
ومنذ ذلك الوقت وفكرة الاستيلاء على المناخ تجد هوسا لدى الباحثين وعلماء الطقس دون أدنى اهتمام موازٍ من علماء الوطن العربي الغارقين في معاملهم وأبحاثهم البطيئة نسبيا عن حركة الكوكب من أجل الترقي الوظيفي الأكاديمي أو لشغل وقت الفراغ فحسب .
لذلك نجد ثمة علاقة حسب التقرير بين القدرة على التنبؤ بالأحوال الجوية والبحوث العسكرية ، وكلمة السر في تلك العلاقة هي الكيمتريل التي أعدت فيروسا غامضا مهمته التحكم في البشرية وتغيير أنماط الحياة الاقتصادية لبعض الشعوب لاسيما النامية والأكثر فقرا ومعاناة .
ولقد أشار التقرير بعد كشف الستار عن غموضه أن الطائرات التي اعتبرت مجهولة المصدر وقتها تقوم بعملية رش للغلاف الجوي العلوي بمواد كيميائية عن عمد ، تجدر الإشارة من جديد لكلمة كيميائية ليست تلك المستخدمة بكليات العلوم الضاربة في الانتشار بالوطن العربي ، فهي غارقة في سباتها الأبدي المستدام والتهليل في كل مناسبة بريادة العالم المصري الراحل أحمد زويل نظرا لسوء المشهد العلمي الراهن وفقره في تحقيق الريادة العلمية أو حتى الاستثمار الاقتصادي للأسف.
المهم أن عدد الطائرات زاد لتغطي السماوات بغبار كثيف وسحب سوداء داكنة ، وكانت مهمة الكيمتريل آنذاك إدارة الإشعاع الشمسي واستحداث غطاء من السحب لتقليل أشعة الشمس وإبطاء أو تسريع ظاهرة الاحترار الحراري أو ما يعرف شعبيا وإعلاميا بالاحتباس الحراري.
الأخطر هو دخول شركات الأدوية في مجال السيطرة على الطقس ، فعندما فكرت بعض القوات الأمريكية الاستيلاء على البشر من خلال التحكم في المناخ وتحويل البشر الطيبين إلى كائنات حية مسلوبة التفكير والبصيرة ورؤية المستقبل ، نجحت بعض شركات الأدوية في دخول المعركة المشبوهة عند تفاقم الإصابة بأمراض المناخ من أجل تحقيق ربح سريع وربح كبير أيضا !.
ويرى تيموثي موروتون Timothy Morton في كتابه الشيق ” جسم فائق ” Hyperobject أن الكيمتريل أصبح لصيقا بالجلد بل ومحشورا بكل جوانب الحياة على وجه الكرة الأرضية وهذا المشهد سيضطرنا إلى تغيير الكثير والكثير من أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية على السواء.
ليس هذا فحسب هو آخر الإحداثيات المناخية ، بل إن قاذفات الدخان الأسود وحسب ما سطرته المنظمة الدولية للأرصاد الجوية World Meteorological Organization في مصنفها الجديد ” أطلس السحاب العالمي” The International Cloud Atlasمن أن تشكيلات السحاب الأسود المخيف والخطير وهو السحاب البشري المنشأ سيغير طبيعة الهواء الساخن والرطب أيضا وتتشكل غيوم جديدة تقلب موازين الغلاف الجوي الحالي وفي المستقبل أيضا ، لأنها ستدوم فترات زمنية طويلة وبعيدة المدى لتشمل كافة أرجاء الكرة الأرضية.
المدهش حقا أن كافة حكومات العالم اليوم باتت مؤمنة بنظرية المؤامرة المناخية التي تتزعمها بعض الدول الأكثر قوة بل والأكثر شراسة من الناحية العسكرية وبات لدى جميع دول العالم يقين مفاده ضرورة مواجهة هذه المؤامرة التي تستهدف الاستيلاء على الحكومات وإسقاط الدول ، وفي الوقت الذي كُشف عن سر المؤامرة الأمريكية نجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تعضد فكرة المؤامرة الصينية تحت مسمى ” المكيدة الصينية ” وهو ما كرَّس له الرئيس الأمريكي السابق ترامب عبر تغريداته شبه اليومية على تويتر .
وفي تقرير ” الطقس باعتباره عاملا لمضاعفة القوة : الاستيلاء على الطقس في 2025 ” نجد سطورا لا يمكننا عدم الاكتراث بجدواها أو خطورتها ؛ لأنها تفيد سعي بعض الحكومات على التحكم في الطقس وتعديله ومن ثم من المحتمل أن ينتج عن هذا التحكم بعض الآثار الجوية اصطناعيا . والأخطر أن التقرير أفاد مدى إمكانية العلم في التشويش على بعض هيئات الأرصاد الجوية بالدرجة التي تنعدم فيها عملية التنبؤ بالأحوال الجوية وتوقع الطقس في الأيام المقبلة عن طريق بذر السحب من صنع الإنسان داخل طبقة الغلاف الجوي .
إلى هنا ينتهي حديثنا العلمي الذي قد يعكر صفو وهناء ورغد عيش علمائنا العرب الذين هم بحاجة ماسة إلى العطف والشفقة والترحم على ضياع أوقاتهم ماكثين في معامل متهالكة وأوراق بحثية مضى عليها قطار البحث العلمي السريع ، وغاب هذا في فرنسا ، وضاع ذاك في شوارع طوكيو ، واغرورق ذلك الباحث في ضواحي موسكو لاهثين جميعا وراء معرفة مكرورة باهتة لا جدوى لها أو منها سوى الرجوع إلى عواصم البلدان العربية حاملين اللقب العلمي الوظيفي لا أكثر لا أقل ! .
لكن المنطقة التي نقبع فيها الآن تسمى المنطقة الرمادية ، تلك المنطقة تعد مساحة فاصلة بين التأكد العلمي من نظرية المؤامرة المناخية ، وبين مواجهة التغير المناخي غير المعلوم . وهذا يقتضي منا جميعا أولا تنفيذ كل ما جاء في مؤتمر قمة المناخ المنعقد في مصر حاليا ، والتطوير العلمي الذي يجب أن يكون متسارعا للكشف عن مزاعم أخرى قد نجدها واقعا مشهودا.
ولا أعرف سببا وضاحا يمكن أن أقدمه للقارئ العربي يقتنع به عن خَتم سطور المقالة بالحديث سريعا عن القبة الحديدية الإسرائيلية وهي كما جاءت بموسوعة ويكيبيديا العالمية ” القبة الحديدية (بالعبرية: כיפת ברזל) نظام دفاع جوي بالصواريخ ذات قواعد متحركة، طورته شركة رافئيل لأنظمة الدفاع المتقدمة والهدف منه هو اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية. في فبراير 2007، اختار وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتز نظام القبة الحديدية كَحلٍّ دفاعي لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عن إسرائيل.، منذ ذلك الحين بدأ تطور النظام الذي بلغت كلفته 210 مليون دولار بالتعاون مع جيش الدفاع الإسرائيلي وقد دخل الخدمة في منتصف عام 2011 م”.
لكن كل ما يمكنني التنويه عنه أن ثمة علاقة وثيقة الصلة بين وجود قبة حديدية أو فولاذية مانعة للقاذفات يمكنها أيضا التصدي لأي تغير مناخي بشري مفاده التحكم والاستيلاء على البشر وإسقاط الحكومات المجاورة وتسيير البشر وفق أجندات صهيونية .. إن بعض الظن إثم !
ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية (م).
ـ كلية التربية ـ جامعة المنيا ـ مصر