18 ديسمبر، 2024 7:02 م

إعادة تأهيل قبائل سايكس بيكو

إعادة تأهيل قبائل سايكس بيكو

كلام لابد منه:
العرب قبل الإسلام قبائل لها عرفها المعروف لكن قبائل العصر لا يحكمها فكر ولا رؤية وإنما الغرائز والحاجات وقيم تميز أمة عن أمة وفقا لما يمكن أن نسميه واقع السلطات السياسي وتطوره كمدنيات تسمى الآن حضارات لكنها ليست حضارات فالحضارة فكر وما ينتج عنه وهذا لم يعرف إلا بعد مجيء الإسلام رغم انه لم يُعَرَّفْ إلا وجوبا في العصر الحديث لكن لم ينتشر لميل الناس للتقليد.
ما حصل بعد ردحا من زمن حكم الراشدين أن الحكم الإسلامي انحسر نحو التدين وليس الدين، وانفصل عن الحكم بمؤسسة اعتبارية مثلها فقهاء العصور وهؤلاء بين محاولات التوافق والتماهي مع واقع الحال وبين إصلاحه انتجوا نظريات لا علاقة لها بمنظور الإسلام في الحكم ومعاني الشورى وكيفية اختيار الحاكم ولعل الخوف من تكرار الطف كان سببا في التقليد وحذر التجديد، فاصبح الخليفة اسما مؤسلما للملوك والسلاطين، وبقى التدين سمة للحاكم والمحكوم وليس الدين فلا يوجد نظام حكم إسلامي شوري يفترض أن يتطور إلى مؤسساتي مع الزمن وتوضع له آليات، لكن راينا تداول قبائل تعظم لتكون دول ودخلت من الثوابت توارث الحكم والسلطنة، وحكم المتغلب في الحقيقة هو المعيار من معاوية بن أبي سفيان إلى يومنا هذا تعددت أشكاله وتبدلت صيغه وان ظهر للناس راي انقلب عليه ليعود التغلب خصوصا بعد أن ترك المحتل الذي استعمر الأفكار والناس ليحكم العسكر ووسيلة العسكر لتبادل الحكم هي الانقلابات وليس الانتخابات، والانتخابات ماهي إلا نوعا من التجميل لمظهر يرانا به من لا ينخدع به ونحن نعرف انه لا ينخدع به وهو يعرف أننا نعرف انه يعرف أننا نعرف انه لا ينخدع به.
عندما تكون الأمة في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني تعيش في الفوضى وأحلام اليقظة….. فمن أمة ممتدة مشارق الأرض ومغاربها مكانيا وبعد أن فقدت حضارتها الفكرية وتقوقعت في محاريب السلطَة انهارت وتفككت فلم يعد هنالك وجود لما يجمعها فاتجهت إلى الروابط الهابطة التي تخاطب الغريزة ولا تنتج فكرا، كالقبلية عند الحوادث والطائفية عند خلل القيم أو كما حصل عند الحاجة للنهضة فاختاروا أسوأ الطرق في تقليد للغرب المتصاعد مدنيا في الدعوة إلى القومية والقومية فكرة لا تنتج فكرا لهذا كل ما فعله دعاتها ومن توصلوا الحكم عن المحتل ترسيخ حدود نفوذ المستعمرين ونادوا بالقومية العربية وغيرها إلى أن أصبحوا يغزون بعضهم بعضا.
وعندما فقدت الشعوب المصطنعة الأمل بوحدة قومية بقيادة مجموعات عوائل وعسكر اتجهت لتقديس سايكس بيكو بعد أن كانت دعوة وحدوية.
هذه أمة لا قيامة لها باي فكر سيء أو مشوه حتى لو حمل اسم الإسلام وسكن المساجد.
كيانات الأقطار الآن هيكلية مدنية كدول لكن بعقلية قبائل الجاهلية، ففي الجاهلية تديّن أيضا لكن بلا دين؛ فكيف نجد حلا لأرض ونفوس دمرها جنوح الأفعال ومرض الأفكار وسلطة الرعاع؟
ألامة في مأزق فكيف الإصلاح:
امتنا هيكل أمة بلا محتوى ومسلمة تجهل الإسلام رغم تدين معظمها لكنه تدين غريزي يتعبد بعضه بالإسلام ويرفضه على حقيقته في انه نظام سياسي اقتصادي ومنهج حياة، لا لشيء وإنما لانهم يخشون أي جديد أو أي تغيير حتى يفرض نفسه، والإسلام لا يفرض نفسه لانه خطاب للمنظومة العقلية عند الإنسان، وتجاوز البعض لهذا المنطق يوقعه فريسة الغرائز من حب السيادة والتملك والاعتداء على أهلية الناس الآخرين وهذا ما حصل فعلا مع ظهور الحركات التي تطرفت واستغلت لاحقا لتدمير المجتمع ومنع قيام الإسلام بسلوكياتها التي أعطت نموذجا عدميا لا يعترف إلا بما يعتقد.
لذا فان امتنا بحاجة إلى ترميم وهذا يأتي بالنظر إلى الواقع ودراسة البيئة والممكنات والعواقب لكل حركة، ورص الأمة ذاتها، فهي بغير الإسلام مجموعات بشريا وليس مجتمعا والمجموعات نفسها مجموعات أصغر وأصغر فلا يوجد روابط حقيقة لامة وإنما روابط هابطة متضادة في مصالحها لا تقيم دول بل تخرب الحياة نفسها؛ وعندما أقول الإسلام هنا لا أتحدث عن عبادة باركان الإسلام وإنما أتحدث عن منهج حياة وثقافة ودولة بسياسة وقيادة تنهض بالمدنية عبر العصور ومجتمع متعدد المعتقدات والأعراق والتي تبنى الأمة بائتلافها على المنهج واحترامها لبعضها حبا لا تقية، وهذا يأتي بالقناعة وإعمال التفكير وفهم الإسلام الغائب.
حلول مؤلمة للتقليدية
إن لم يك هذا ممكنا، فلابد للعودة إلى دراسة الواقع والبيئة وبناء الأمة بطريق مختلفة لا تنظر إلى سايكس بيكو ولا غيرها وإنما إلى روابط التاريخ والجغرافية فيعاد تنظيم البلدان بحيث تكون أمما مستقرة متوافقة، واخشي إننا نقترب من هذا إن لم تظهر الحكمة عند الناس وتقود الأمة أفضلها وليس أدونها وهو امر صعب لكن ليس مستحيلا، وكما بنيت سايكس بيكو على واقع عثماني، فالحالة الجديدة تبنى على صفحات الزمن المر بإعادة الاصطفاف وتقام معاهدة تبقي السلم بين الجميع كمعاهدة وستيفاليا التي حوت الحقيقة عدة معاهدات في الأمور السياسية والمعتقدات والاقتصاد أوقفت الحروب بعد ثلاثون عاما 1618-1648من الهراء؛ والذي تمر امتنا في أحداث مقاربة له من الهول والتفاهة.
إن دعوة بلا نموذج ليس إلا كلامٌ يجتهد فيه الجهلاء فيزيدون الأمل تحطيما ولا بد أن نتعامل مع البيئة وليس بتطبيق قوالب أحلامنا على حقيقة مختلفة.