من نافلة القول أن خطوة عضو الكنيست الدكتور منصور عباس والقائمة العربية الموحدة والحركة الاسلامية الجنوبية بالانضمام إلى حكومة اسرائيلية من اكثر الحكومات يمينية وعنصرية برئاسة رئيس مجلس المستوطنات السابق نفتالي بينيت، بمزاعم “خدمة المجتمع العربي”، هي خطيئة سياسية وانزلاق خطير، وسيكون لها مردود سلبي وتداعيات كبرى في المستقبل المنظور على واقع ووجود وهوية جماهيرنا العربية الفلسطينية وروايتنا الفلسطينية وكفاحنا القومي والسياسي المشروع في مواجهة السياسات العنصرية والقهرية التي مارستها وانتهجتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بحق شعبنا وجماهيرنا.
وهذه الخطوة هي استمرار لنهج “التأثير” و”المساومة” الذي اتبعه الدكتور منصور عباس وميز سلوكه السياسي وهو بداخل المشتركة، ثم انشقاقه عنها. وهو نهج يركز على القضايا المدنية، ويتجاهل المسألة القومية، رغم أنه لا يمكن الفصل بينهما. وعليه فإن انضمام الموحدة كشريك في الائتلاف الحكومي الذي يضم كل أقطاب اليمين الاستيطاني المتطرف، هو تجسيد للنهج الانبطاحي المقايض، الذي قضى بالخروج من القائمة المشتركة وليس بسبب موقف عدد من أعضائها من قضية “المثليين”، ولا أظن أن هذا النهج سيحقق أي شيء لجماهيرنا العربية ولمجتمعنا العربي، بل سيعيدنا للوراء عشرات السنين.
فالمؤسسة الصهيونية الحاكمة تستهدف كي الوعي الوطني، وتسعى إلى تغييب القضايا الوطنية وتغيير المفاهيم السياسية، واحكام الطوق على التيار الوطني، وضرب ومحاصرة الحركة الوطنية في الداخل، فضلًا عن احداث تحول وانقلاب في المشهد والخطاب السياسي لدى جماهيرنا، ويتمثل ذلك بتجريم العمل السياسي والملاحقات السياسية للقيادات العربية وحظر الحركة الاسلامية الجنوبية واعتقال قادتها الشيخ رائد صلاح، والشيخ كمال خطيب، إضافة للتحول الذي حصل في بلدية الناصرة، وصولًا إلى ما أفضت إليه الانتخابات الأخيرة بتراجع وزن وقوة الجماهير العربية التأثيرية، ونكوص تمثيل القائمة المشتركة، وتشجيع خطاب الاعتدال والمساومة الممالئ للسلطة والترويج له، انتهاءً بتوقيع صك الغفران مع مجرمي الحرب.
لقد اعتقدنا أن الهبة الشعبية الفلسطينية الاخيرة التي أعادت الاعتبار للقضية الوطنية الفلسطينية، ووحدت شعبنا في كل اماكن تواجده، والحراك الشبابي والانتفاضة الجماهيرية في الدفاع عن البقاء والوجود، وعن الشيخ جراح وسلوان والاقصى والقدس وغزة، والإضراب العام غير المسبوق منذ يوم الأرض الأول، إضراب الكرامة، اعتقدنا أن ذلك سينسف هذا النهج، ويكون رادعًا لمنصور عباس وجماعته، في التراجع عن نهجه ورؤيته السياسية وسلوكه “البراغماتي”، ولكن للأسف استمر في نهج التصالح النفعي مع أحزاب المؤسسة الصهيونية، التي لن تغير سياستها العنصرية الابرتهايدية المعادية لشعبنا، ومصادرة حقوقنا الوطنية والديمقراطية، ورأينا تجسيدًا لذلك في الهجمة السلطوية والاعتقالات الترهيبية غير المسبوقة، التي طالت ما يقارب 2000 من شباب وبنات شعبنا.
المطلوب أمام هذا الانزلاق الخطير والتردي والسقوط الأخلاقي والسياسي لمنصور عباس والقائمة العربية الموحدة، هو تعرية نهجه ولفظه وقبره إلى أبد الآبدين، والعمل على تنظيم ومأسسة مجتمعنا العربي، وبناء الحركة الوطنية في الداخل من جديد، وتعميق الخطاب الوطني الكفاحي ونشر الثقافة السياسية المغايرة، وخلق جيل فلسطيني جديد متمسك بانتمائه وهويته الوطنية، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني الذي سيكنس كل المتهافتين والمنبطحين والمنزلقين.