أجهزتنا لا مشاعرنا من صنعت رسائل الحب، وصارت كيسا تكنولوجيا للاستقبال ومخزنا لكل ما يردنا حتى وإن كان يمس ما نعبر عنه صادقين بطريقة لائقة تجاه الآخرين.
يبدو لي أننا بحاجة إلى إعادة اختراع الحب! المفهوم الأزلي تبدل بشكل له علاقة بطبيعة مشاعرنا التي تبدلت أيضا وقد تصل إلى التلبد، لا أتحدث هنا عن الانبهار الذي يبديه رجل بجمال امرأة ما ويسقط بعدها في شباكها متخطيا كل المحاذير والصعوبات المقبلة، ولا أعني أيضا ما تكنّه امرأة من حب لرجل ما وتعلنه بتردد وخجل.
تلك المشاعر ربما لا تتغير لأنها جزء من بيولوجية الإنسان، لكن ماذا عن الإنسان نفسه، ألم يتغير وهذا يعني أنه سيغير طبيعة الحب الذي يكنه للآخر.
ثمة مشهد جعلني أعلن عن فكرتي في إعادة اختراع الحب، كان الشاب يعانق صديقته وهي تتشبث به بكلتا يديها وتُقبله بحرارة، بينما هو أبقى يده اليسرى خلف ظهرها ورفع اليمنى أعلى رأسها حاملا هاتفه الذكي في محاولة لقراءة رسالة ما أو خبر مستعجل أو صورة أو… بأي حال من الأحوال أي طعم لمثل تلك القبلة الساخنة فيما عين الشاب تركز على الهاتف!
مثل هذا المشهد كنت شاهدا عليه من بين عشرات الشهود في أحد شوارع لندن، وليس بمقدوري الشك بحب الشاب أو الفتاة لبعضهما، لكنني أملك حق التساؤل عن مفهوم هذا الحب الذي تخترقه رسالة صغيرة كالسهم الثاقب من الهاتف الذكي؟
حتى الأغاني أعادت مفهوم الحب بطريقة مختلفة كليا عما كان، فهل مشاعر العشاق الذين جمعتهم أغنية لفيروز في ما مضى، تشبه مشاعر المحبين وهم يتسلون بصوت إليسا اليوم؟ أرى أن طبيعة المشاعر مختلفة كليا مثلما أرى أن إليسا لا تصلح للغناء وفق علوم الموسيقى، بإمكانها الاكتفاء بأغنية واحدة طوال حياتها الفنية بدلا من عشرات الأغاني، لأنها في واقع الأمر تكرر نفس أغنيتها الأولى منذ أن بدأت الغناء!
كان جاك بريفير يعيد تشكيل العلائق بين الكلمات وهو يحب حبيبته شعرا بطريقة صرت “أكرهك بحنان!”، فأي مفهوم للكره هذا عندما تمسه مشاعر الحنان!، لكننا لا نجد معادلا موضوعيا لتعبيرات الحب وصوره وأغانيه التي تتخم بها هواتفنا اليوم.
إن رسالة الحب والمودة التي أتلقاها من صديقة قديمة مستنسخة من نفس الرسالة التي يجاملني بها زميل في العمل أو جار لي، لأن أجهزتنا من صنعت تلك الرسائل وليست مشاعرنا التي صارت كيسا تكنولوجيا للاستقبال ومخزنا لكل ما يردنا حتى وإن كان يمس ما نعبر عنه صادقين بطريقة لائقة تجاه الآخرين.
عودوا إلى هواتفكم هذا الأسبوع لتروا أن رسالة الحب نفسها والصور نفسها وصلتكم من حزمة أصدقاء ومحبين بمناسبة عيد فالنتين، من دون أن يكلف أحد منهم نفسه لإعادة تشكيل تلك الرسالة أو التعبير عما يكنه فعلا من مشاعر الحب للآخر بلغته وليس بجمل مستنسخة ومباعة استخدمها الآلاف قبله، لا أشكك بمشاعر هؤلاء الناس، ولا أطالبهم بلغة جاك بريفير الشعرية، لكنني أدافع عن فكرة تقول إن مشاعر الحب التي تكتنفنا لم تعد كما كانت، أو ربما أصبح الحب أقل جودة في عالم ازدادت فيه الكراهية أكثر مما يمكن أن يدافع فيه الحب عن نفسه.
نقلا عن العرب