22 ديسمبر، 2024 11:53 م

إعادة إحياء صورة فوتوغرافية للذكرى !

إعادة إحياء صورة فوتوغرافية للذكرى !

كل صغار المخلوقات في الغابة أبرياء وعلى درجة من الحلاوة والشقاوة ما يجعلهم محبوبين لدى الجميع ، وبإمكانهم ان يلعبوا مع بعضهم بعضا من دون حذر ويلتقطوا صورا تذكارية تظهر حبهم لبعضهم بجلاء ﻻيخفى على مصور محترف مثله قبل بلوغهم سن الافتراس والإندراس ..انه البند الاول من شريعة الغاب الذي لم يتغير بعد ، والبند الاول نائم ، لعن الله من أيقظه بشريا !
أعجبته فكرة إعادة لقطة مصورة في نفس المكان مع ذات الشخوص والملابس والديكور والتي أشتهر منها عالميا 16 صورة ، أبكت شعوب الارض بأسرها من أقصى العالم الى أقصاه لما أثارته فيهم من مشاعر جياشة يغلفها الأسى والحنين الجامح الى ذكريات الطفولة الجميلة تارة ، والتعيسة أخرى حيث الشوق الى الماضي البعيد المتدفق كسيل من جوانبها بالاسود والابيض ليعيد نبض الحياة الى تلك اللوحة السوريالية الصماء البكماء الممددة وسط ركام الصور كمومياء فرعونية هامدة ، أخرج سعيد ألبوم صوره بعد نشرة الاخبار التي تابعها بقلق بالغ ، قلب الطرف فيها ، سحب نفسا عميقا من سيجارته الالكترونية الطبية – وهو ﻻيعلم بأنها اكذوبة تجارية – بعد اقلاعه عن التدخين ، قرر ان يختار صورة حفل تخرجه في الجامعة حيث يقف الى جواره كل من ، جمال ، وسرمد ، وتوفيق ، وعبد الستار ، ودانيال فيما يقف امامه كل من طاهر ، وحسن ، وعباس ، وسلمان ، وحافظ ، يتقدمهم الاساتذة باسم و سلوان ومعتز والدكتورة نهى ( إقطع النفس ، ثابت ، دع القلق وابتسم للحياة ..جررررق انتهى كل شيئ !) هكذا صاح بهم المصور ساعتها ، ليتبادلوا بعدها الضحكات البريئة والعناق اﻷخوي فيما بينهم ، وهم يتناولون قطع الكيك والبيبسي كولا قبل ان يودعوا بعضهم بعضا ربما الى لا لقاء مرتقب ثانية بعد أربع سنين على مقاعد الدراسة المليئة بالمسامير وبغبار الطباشير ، بحلوها ومرها بأستثناء سعيد الذي أمضى 8 سنين في الكلية ، تارة تقاعسا واخرى تأجيلا وثالثة واسطة ورابعة غشا في الامتحان لحين تخرج – جدو – هكذا كان يحلو لهم مناداته بأعتباره أقدم طالب في تأريخ الجامعات المحلية ، كان محبوبا وحكيما هذا السعيد تسره الطالبات همومهن ، والطلاب مشاكلهم وغرامياتهم العذرية البريئة من جانب واحد في اﻷعم اﻷغلب ، التدريسيون بدورهم كانوا يعتمدون عليه في تنظيم الصفوف وتسجيل الغيابات وإلقاء القصائد في المناسبات !
خرج سعيد هائما الى الغابة العراقية باحثا كأبن بطوطة عن شخوص الصورة فردا فردا ﻷستعادة اللقطة في ذات الكلية وبزي التخرج بعد27 عاما من الفراق يحدوه اﻷمل بنشرها لتتفوق على نظيراتها الـ 16 السابقة التي ذاع صيتها في اﻵفاق …سعيد العامر في أرض الخراب لم يبذل جهدا كبيرا في بحثه عن الصفين اﻷول والثاني فسرعان ما تنامى الى سمعه ان توفيق استشهد في حرب الخليج الثانية بصاروخ كروز امريكي ودفن في مقبرة شهداء الكرخ ، دانيال اغتيل برصاص تجار المخدرات بتهمة بيع الخمور كونها تؤثر على تجارتهم التي يرومون ترويجها في البلاد بل ويزرعونها ويصنعونها ويهربونها ايضا ، برغم حرمة المسكرين شرعا ونجاستهما عرفا ، جمال اعدم بتهمة معاداة الدكتاتورية ، سرمد اعتقل بتهمة معاداة الديمقراطية ، طاهر سافر الى غير عودة الى الدنمارك كونه لم يعد يحتمل ﻻ دكتاتورية الذئب الشرس وﻻ ديمقراطية الفيل الهائج ، وقرر ان يكون أرنبا تكفيه جزرات الغربة واللجوء ليعيش عليها ماتبقى له من حياة ، حافظ اصبح خنزيرا يتمرغ بأوحال الاقوى ويدور في فلكه غير آبه بفكره وعقيدته و منهجه – المهم أكل ومرعى وقلة صنعة .. أكل ووصوص – ، تماما كسلمان الذي آثر على نفسه ان يتحول الى قرد يقفز من غصن حزب وتكتل الى آخر في كل دورة انتخابية ، طمعا بأن يتحول ذات يوم الى غوريلا يقارع بسمعتها ونفوذها ومخصصاتها وامتيازاتها التي ﻻتعد وﻻتحصى بقية المفترسات في الغابة – السياسية العراقية – ، عباس اصبح متطرفا وانضم الى جماعات مسلحة ، حسن نحى ذات المنحى ولكن بالاتجاه المعاكس وانضم الى ميليشيا مسلحة ، كلاهما براية طويلة وبحربة شريرة تعزف على أوتار أحقاد مثيرة تطيح برؤوس تلو رؤوس ، القاسم المشترك الاكبر بينهما هو قسوة القلب وقصر البصر وانعدام البصيرة وغرة سوداء – مصنوعة ﻻ من أثر السجود خشوعا للخالق المعبود ، وانما من الخل والثوم لخداع الناس – تتوسط جبهتيهما كبيرة رآها لأخر مرة كل من قتلوه ظلما وعدوانا على قارعة طريق خارجي – تماما كما فعل الخوارج ذات يوم – ليسلبوا منه كل مايملك حتى مصحفه الذي يضم بين دفتيه قوله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) ، الاستاذ باسم اغتالته يد الغدر والخيانة بهدف تهجير العقول و الكفاءات شأنه شأن الاطباء والمخترعين والمفكرين ، الاستاذ معتز هرب الى لندن ” صحيح ان وطنه اسمه عزيز اﻻ أن روحه تدعى عزيزة” الاستاذ سلوان سافر للتدريس في ليبيا – فهجمت – رحل الى جامعات اليمن – فهجمت – الى الجامعات السورية – فهجمت – عاد الى جامعة الموصل – فهجمت – اضطر ﻷحالة نفسه على المعاش وقضاء بقية حياته على طاولة مقهى بائس يرتاده الجهال وتأليف كتاب بعنوان ” يوميات معلم الاجيال في مقهى الجهال ” ، الدكتورة نهى ، الحمد لله تزوجت وانجبت وتركت التدريس وعاشت عيشة سعيدة تقص على احفادها حكايا اسطورية يومية ليناموا مبكرا تختمها بـ – لو بيتكم قريب كان جبنالكم حمص وزبيب – !
اطرق رأسه قليلا سعيد ..حمل كاميرته ويمم وجهه شطر كليته بعد 27 عاما من الفراق ، وقف امام الكاميرا مبتسما ببلاهة وإلتقط لنفسه صورة شخصية ، كتب تحتها عبارة ” سعيد يقف وحيدا وسط الغابات بعد ان فقد كل احبابه وأساتذته وأصحابه ” وأخذ يتمتم بفقرة من فقه الغابة : ” ﻻتعول كثيرا على سلام ولعب مؤقت بين فهد صغير وغزال اذ سرعان ما سيتحول الثاني الى وجبة شهية للأول برغم كل الهدايا والابتسامات البريئة التي تبادﻻها صغارا قبل عهد الاستحمار والاستعمار “واعلموا بأن نفوق حمار فوق جسر الشهداء او الاحرار ببلد ثري كالعراق ﻻيستحق ان يعرض في شاشات التلفزة المسروقة ﻷن الناس ستسأل ” من اي غابة ظهر الحمار في بلد النفط والغاز والدولار وكيف لم يمت في الغابة الحقيقية افتراسا ومات هاهنا قتلا ” .