لا بد من الإقرار سلفاً في مكاشفة صريحة وشفافة ، ان قضية الأسرى والمعتقلين في سجون حكومات الإحتلال ومنذ نيسان 2003 لم تأخذ حقها الوطني والقومي والإنساني ، من حيث التبني والتسلسل المطلبي كواحدة من أهم المطالب الواجبة على القوى الوطنية التحررية ( هياكل وأشخاص ) ، يُفترض أخذها على عاتقها والذبِ عنها في النشاطات الثورية والجماهيرية ، فضلاً عن وجوبِ رفعها لتكون على أولويات برامجها في المحافل الدولية وتسخير الكوادر الدبلوماسية والحقوقية للترافع عنها امام المنظمات والجمعيات والمحاكم العالمية .
فعلى مدى سبعة عشر سنة ولغاية هذه الساعة ، يرزح آلاف العراقيون وبسنواتٍ متفاوتة في سجونٍ بائسة تفتقر الى الحد الأدنى من الرعاية الإنسانية والصحية العلاجية على نحوٍ مقصودٍ ومُتعمدٍ ، يُرادُ منه إزهاق أرواحهم ومصادرة حقهم في الحياة التي وهبها الله لهم ، لا لذنبٍ إقترفوه او جنايةٍ ارتكبوها ، سوى انهم عراقيون أحرار ارتبطوا بالعراق فكراً وعقيدةً ووجدانا لاسيما المتصدون منهم للقوات الأمريكية والبريطانية الغازية التي عبرت البحار والمحيطات وجاءت لتُدنس أراضينا الطاهرة .
معروف ان العمل الوطني المقاوم للإحتلال كان فعلاً مُحرماً بفضلِ فتاوى المراجع الأربعة (العظام) التي إعتبرت الأمريكيين ضيوفاً ومُحررين ، ومعروفٌ ايضاً ان أتباع المرجعية ومعها الأحزاب والشخصيات الوافدة مع الدبابات الأجنبية الغاشمة ، كانوا جميعهم يرفضون شرعية المقاومة وينكرون عليها حقها ، بل وصل بهم الأمر لِنعتها بالمقاومة غير الشريفة وقتذاك .
اليوم وبعد إستهداف امريكا للمقبور ( قاسم سليماني ) الذي تجاوز الحدود المسموح له بها أمريكيّاً ، بدأنا نسمع من أضداد الأمس أنفسهم ، ان المقاومة حق مشروع ، ورفع عدد منهم عقيرته وسط البرلمان مطالبين بإخراج القواعد الأمريكية التي كانوا يتبركون بها في السنوات المنصرمة .
وبما ان ( البرلمان ) صَدّقَ على قرارٍ في 5/1/2020 يُلزم حكومة تصريف الأعمال لـــ عادل عبدالمهدي ، بالعمل على إخراج بقايا القوات الأمريكية من البلد ، واعتبر النواب المصوتون كل من يُعارض التصويت على خروج الأمريكيين (( خونة )) ، في إشارةٍ للكُتل الأخرى التي قاطعت الجلسة .
لم يتوقف الأمرُ عند هذا الحد وانما تعداهُ ، لتخرج علينا المليشيات والعصابات المسلحة التابعة لأحزاب السلطة المتسربلة كذباً بــ (( الإسلام )) لتدعي انها فصائل للمقاومة الإسلامية ضد الوجود الأجنبي في العراق ، وقامت بالتعرض للقوة الأمريكية المتواجدة في معسكريّ التاجي و طارق وعين الأسد ، بصواريخ الكاتيوشا الإيرانية غير الفاعلة .
بالتالي يصبح لِزاماً على حكومة الإحتلال (السادسة) التي صمتت أمام ما يسمى (المقاومة الإسلامية) ولم تجروء على اعتقال فردٍ واحدٍ من عناصرها المعروفة والمكشوفة ، أي بمعنى شرعنتها وترك الحبل لها على الغارب وبغضِ الطرفِ عنها ، مما وَلّدَ إنطباعاً مؤكداً على الكيلِ بمكيّالين إتجاه التعامل مع من قاوم الغزاة بدوافع شرعيّة ووطنية وبين ( المقاوم ) بالإنابة عن إيران ، لذا يصبح لِزاماً عليها اطلاق سراح الأسرى والسجناء والمعتقلين من ضباط ومقاتلي الجيش الوطني العراقي وأجهزة الدولة الأخرى والموظفين والمدنيين الرازحين في سجونها العلنية والسرية بتهمة المقاومة للقوات الغازية المحتلة فضلاً عن المعتقلين وفق المادة 4 / إرهاب والتي أطلقَ عليها العراقيون اسم (( المادة 4 / سُنة )) مع تحفظي الشديد على تلك التسمية وإن كانت حقيقة مؤلمة يصعبُ على الأحرار وذويهم تجاهلها أو نسيّانها مهما تقادم بها الزمن .
ومن هنا أتوجهُ الى السادة المحامين ورجال القانون العراقيين الوطنيين والعرب وأدعوهم مخلِصاً لإثارة ملفات الأسرى والسجناء والموقوفين ، وتولي الدفاع عنهم وإسقاط التهم المُسندة إليهم على خلفيّات سياسية وطائفية لا تخلو من الأحقاد التأريخيّة إرضاءً لحُكام قُم وطهران العنصريين . ولاشك انكم اليوم أمام مسؤولية جليلة عظيمة ذات أبعاد شرعية ووطنية وإنسانية تستدعي شحذ الهِمم وصقلِها لإنهاء معاناة عشرات الآلاف من السجناء المودعين في مقابر الأحياء ، تترقبهم عيون عائلاتهم التي تعيش أشد وأسوأ المآسي .
ختاماً نتضرع الى الله ان تلقى دعوتنا هذه قبولاً ونسمع لها صدىً لدى المعنيين والمهتمين من أهل الشأن والإختصاص .