18 ديسمبر، 2024 9:48 م

إطلاق العيارات النارية ، شكل من أشكال القتل غير العمد ، دراسة مبسّطة عن فداحة أضرارها ..

إطلاق العيارات النارية ، شكل من أشكال القتل غير العمد ، دراسة مبسّطة عن فداحة أضرارها ..

من بين السلبيات التي نتصف بها كعراقيين بل ننفرد بها ، هي إطلاق العيارات النارية في الهواء ، وفي كل المناسبات تقريبا ، في الأعراس ، في الأحزان ، في التفاخر أو ما يسمى (العراضات) العشائرية ، في الأعياد ، في الخصومات ، في (الدگات) العشائرية كشكل من أشكال التهديد الذي أصبح دارجا ! ، عند فوز منتخب رياضي ، في المناسبات الوطنية ، في الخصومات ، أو حتى كشكل من أشكال التنفيس عن إنفعال ما وغيرها ! ، حتى غدت من الأعراف على مستوى واسع ، ومن المعيب جدا إلى درجة العار ، أن تمر مناسبة ما خصوصا على المستوى العائلي أو العشائري دون لعلعة الرصاص ، بل إن الإسراف في إطلاق النيران صار مُرادفا للوجاهة والتفاخر بل الكرم ! ، وكأنها صارت شكلا من أشكال النذور ، او الوعود التي يجب الإيفاء بها ، بإفراغ (كذا شاجور) في مناسبة ما ، وليس (كذا شاة) لوجه الله ! ، والشاجور يعني مخزن البندقية (كلاشينكوف) المكون من مكون من 30 إطلاقة ! ، إنها وللإسف الشديد نوع من ثقافة الصوت العالي الدارجة في المجموعات التي تميل للبداوة والغلظة ، وإلا ما سبب رفع صوتك لإيصال فكرتك لشخص بأذنين سليمتين ، سوى يقينك أن هنالك عقلا غليظا بينهما ، وهو نفس ظنه بك ، فيعلو الصراخ ! ، وهذا ما لا يتناسب مع العراقيين الفطنين بالفطرة ، إنها مفارقة أليس كذلك ؟ .

البندقية كلاشينكوف ، المعروفة عالميا (AK 47) ، أكثر سلاح هجومي إنتشارا في العالم ، ويندر أن يخلو منها أي بيت في المناطق الساخنة ومنها منطقتنا ، ونعتبر حيازتها كرمز للقوة ، وقد أجريتُ بعض الحسابات الفيزيائية على خواص هذا السلاح ، المتّهم المألوف الأول ، وعملت على حل المعادلات التي وضعها المرحوم (نيوتن Newton) قبل أكثر من 400 سنة ، والخاصة بالمقذوفات (Projectiles) ، فخرجتُ بهذه الحصيلة .

إطلاقة هذه البندقية (Round) ، تتكون من الظرف (Cartridge) وتُلبّس به الرصاصة (Bullet) ، عيار هذه الرصاصة كما هو معروف هو 7.62 ملم ، ووزنها حوالي 8 غرام ، سرعة الرصاصة عند الإطلاق 715 متر/ثانية ، أي حوالي ضعف سرعة الصوت ، وهنا نتحدّث عن الرمي العمودي المعمول به في هذه المناسبات ، في هذه الحالة تصل الرصاصة إلى إرتفاع 2600 متر تقريبا وتتباطأ تحت تأثير الجاذبية الأرضية لتعود إلى الأرض بتسارع أيضا ، زمن وصولها للإرتفاع المذكور هو 3.7 ثانية ، وزمن عودتها للأرض 23 ثانية ، أي أن الرصاصة التي يطلقها ذلك (النشمي) ، تستغرق 26.7 ثانية لتعود للأرض ، وسرعة إرتطامها بالأرض (إن كنا محظوظين) هو 275 متر/ثانية ، أي مقاربة لسرعة الصوت ! ، فلو كان لديك أقوى مقلاع (مصيادة) ، بحصاة متوسطة الحجم بوزن 8 غرامات (الرصاصة) ، ومهما بلغت قوّتك ، لن تصل لهذه السرعة ، مع الأخذ بنظر الإعتبار ثقلها لأنها قشرة نحاسية مملوءة بفلز الرصاص الثقيل لإكتساب الزخم ، وصُمّمت للقتل ، لا للإحتفالات ، وتكبر هذه الأرقام مع ضخامة السلاح ، فقد تُغيّر البندقية إلى رشاشة (بي كي سي BKC) المتوسطة أو رشاشة (ديمتروف) الثقيلة ، بشكل يتناسب مع (جسامة) الحدث أو المناسبة ، كما شهدناها في مقاطع فيديو مرعبة ، ألا يكفينا قتلا ودماءً وضجيجا ! .

ففي أحد المرات سقطت إحدى هذه الرصاصات فأخترقت سقيفة منزلي المكونة من ألواح الزنك المموج (الچينكو Corrugated Zinc) ومعها سقف (قمارة) السيارة تحتها ، ومزّقت أحد المقاعد بعد أن تشوّهت الرصاصة تشوها شديدا ، وكأنها أطلقت من سلاح مُصوّب ! ، لكن لا شيء سوى السماء ! ، فكيف الحال إذا أصابت لحما وعظاما ؟! ، أحد زملائنا الأطباء ، شهد حالات عديدة مؤسفة للغاية ، وأغلبها قاتلة لمصابين ضحايا فارقوا الحياة ، لأنها تخترق الجمجمة البشرية وتُهشمها بسهولة ، أو تكسر عظم الترقوة في الكتف وتمزق الرئة ، وربما القلب خصوصا بين الأطفال الذين يدفعهم فضولهم اللامسؤول لمصدر الضجيج ، هذا هو مقدار الفتك الذي تُحدثه هذه الرصاصة (الباردة) !.

قد لا يتصور الأخ مُطلق النار منظر المستشفيات المرعب عند حدوث موجة من إطلاق النار في الهواء ، وهو يرى أبواب المستشفيات تفتح على مصراعيها ومعها الضجيج والعويل والصراخ ومنظر الدماء ، وأرتال من أسرّة الضحايا وهي تدخل .

أخي مُطلق النار ، عليك أن تضع في البال ، أن لرصاصتك هذه موئلا إلى الأرض مهما عَلَتْ ، فتصور أن هدفها أحد الأبرياء ، ولا تراهن على فكرة أخرى ، أخي المحتفل ، أدام الله أفراحك ، أخي الحزين أو المفجوع ، نسأل الله أن تكون نهاية أحزانك ، أخي المُعترض في العشيرة ، أدام الله عزّك ، أخي المُهدِّد ، نسأل الله هدايتك ، لكن بلا نيران وقاكم الله شرها ، ليكن هاجسك دافعا لك قبل الضغط على الزناد ، لهذا فرضت مرجعية السيد السيستاني (دام ظله) ، ديّة القتل غير العمد على كل رصاصة تطلقها ، ولكن ماذا عن الضمير ؟.

قبل أن تضغط على الزناد ، تذكّر إلى درجة القطع ، أنك تصوّب على أناس أبرياء لا تراهم لأن مداها خبيث غير مُتَوَقّع وإن صوّبت بندقيتك نحو السماء ، تصور أن هؤلاء الناس أقربائك ، فهل ترضى بفجيعة قريب منك لا سمح الله ؟ تذكّر أن روحا ستُزهق بسببك ، بعد 26.7 ثانية من إنتشائك بصوت الإطلاق ، ضع في بالك ، أن أزاء إبتسامتك وزهوك وبيدك بندقية تلعلع ، ثمة عيون تغمض للأبد ، وأخرى تبكي بدموع من نار ، بسببك !.