22 ديسمبر، 2024 3:19 م

إضافات على واقعة “خان النُص”

إضافات على واقعة “خان النُص”

قبل أيّ شيء أرفع شكري الجزيل لهذا الموقع الأغر لنشره مقالتي عن واقعة خان النُص في شباط/١٩٧٧، قبل أن أحمد الله سبحانه لعدم تستلّمي بعض المَسَبّاتٍ والشتائم ممّا تَعَوّد على قذفها عدد من المتطرّفين الناظرين أزاء هذه الأمور من زاوية حادة لا يبصرون جوانبها.
وبعد أن تداخل العديد من المتابعين على أحداث “خان النُص” وتشعّبوا في وقائعها وتَعَمّقوا بين سطورها بتعليقات مفيدة للغاية، في حين وجّه لي أعزاء آخرون رسائل كتابية وصوتية على هاتفي الجوال وبريدي الألكتروني تضمّنت آراءً سديدة متشعّبة ومتشابكة… ولكنهم لم يستطيعوا نشرها لعدم إلمامهم بإدراجها، أو رغبتهم في التَسَتّر على آرائهم وأسمائهم الصريحة لسبب أو لآخر.
المداخلات كانت كثيرة، وإجابتي على أصحابها الكرام واجبة لتبيان الكثير من الأمور تستغرق طويلاً، فقد وددتُ إختصارها في مقالة مُضافة تسلّط الأضواء على آرائهم وإستفساراتهم على شكل إيضاحات مختصرة:-
في عراق ما بعد 2003 فإننا نعيش خارج الزمن والتأريخ، مُرتَهَنين تحت سطوة العشرات من الكتل والأحزاب الفاسدة والفصائل المسلّحة المتشبّثة بمُسَمّيات إسلامية وأغطية مذاهبية وشعارات يربطونها بالائمة العظام (ع) وأن “الإمام الحُسين (ع) في ضمائرهم وعقولهم وذواتهم”!!! فيستثمرونها لخداع السُذّج وإستغفال الناس لتغطية سرقاتهم وجرائمهم وإرتباطاتهم المكشوفة مع الأجنبي لحد الخنوع أمام هذا ذاك، حتى وُصِفَ مجلس النوّاب العراقي بأنه “البرلمان الأفسد في التأريخ”.
ومثلما ذكرتُ في المقالة السابقة أني -بحكم عملي في الجيش- لم أطّلع على ما إقترفته التنظيمات الحزبية أو الأمن العام أو إستخبارات الشرطة المحلّية، سواء في إشتباكات “خان النص” أو بعدها، وذلك قبل أن يتداخل صديق عزيز كنا ضباطاً سوية في تلك الأيام ليوضّح:- ]]أن المحافظ “عزيز صالح النومان الخفاجي” قد إستغلّ إنشغال وحداتنا العسكرية بواجب التهدئة خروجاً على أمر الرئيس “أحمد حسن البكر” بإناطة كامل المسؤولية لـ”العقيد الركن نعمة فارس” وسارع بإرسال مجموعة من الذين أُلقيَ القبض عليهم في “خان النص” قبل وصولنا إلى المنطقة وسَوَّقَهم مخفورين إلى بغداد، وكان ذلك تَزَلُّفاً منه ومحيطيه -وكلّهم من الإخوان الشيعة ومن أهالي كربلاء والنجف والفرات الأوسط وعشائرها بدون إستثناء- وقد علمنا فيما بعد بتقديم بعضهم أمام محكمة خاصة ضمّت الدكتور عزت مصطفى وفليّح حسن الجاسم وأعتقد أن “حسن العامري” كان عضواً فيها[[.
وقد أكّد لي أحد قادتي الموثوقين -فَضَّلَ عدم ذكر إسمه في هذا الإيضاح- ]]]أن الرئيس “أحمد حسن البكر” لم يكلّف “العقيد الركن نعمة فارس” بمهمة إستتباب الأمن في “خان النُص” و”كربلاء” هاتفياً، بل إستدعاه شخصياً للقصر الجمهوري بعد منتصف ليلة أربعينية الإمام الحُسَين (ع)، ليكلّفه -بحضور رئيس أركان الجيش “الفريق أول الركن عبدالجبار شنشل”- بتلك المهمة ويُنيط إليه القيادة الأعلى لكل التشكيلات العسكرية التي ستنتشر بالمنطقة، وأن يكون إرتباطه وإستلام الأوامر من شخص الرئيس دون أيّ مرجع آخر[[[.
وأضاف صديق آخر أن العشرات من رجال الدين وشيوخ العشائر والوجهاء من محافظتَي “كربلاء والنجف” حضروا أمام الرئيس “أحمد حسن البكر” لا ليشكروه على عودة الأمن والأمان والإستقرار إلى ديارهم فحسب، بل ليعرضوا أمامه عدداً من التصرفات المقرِفة بحق المواطنين على أيدي العديد من أصحاب المناصب الأمنية والإدارية والحزبية تَزَلُّفاً وتَقَرُّباً للرئيس والقيادات العليا للدولة والحزب، ورَجَوا منه تبديلهم بموظفين وحزبيين من الطائفة السُنّية، لكون أهالي المدينتين الشريفَتَين والمقدّسَتَين قد جَرّبوا خلال الأعوام المنصرمة أن “السُنّة” أرحم بكثير ويدارونهم ويسعون لتحقيق مطالبهم ولا يقسون عليهم ولا يتزلّفون للسلطة والحزب في سبيل مناصب أعلى وأعظم، على عكس المسؤولين الشيعة الحاليين!!!
ورغم تحفّظي الشديد من إيراد الإنتماءات الدينية في أيّ مقام ومقال، إلاّ أن عدداً من المُداخلين والمعلّقين تطرّقوا إلى مذهب هذا وذاك، فوجدتُ قلَمي مُرغَماً على إيضاح ما غفلوا عنه… فآمِرُ لوائنا المشاة الآلي/8 المرحوم “العقيد الركن عبدالكريم نصَيّف جاسم الحمداني” هو “سُنّي” المذهب، بينما “العقيد الركن نعمة فارس المحيّاوي” آمر اللواء المدرع/6 فهو “شيعي”، وكذلك كلّ من مقدم لوائه “الرائد الركن كاظم الظاهر” وآمر كتيبة دبابات خالد “الرائد الركن قاسم صَيّاح” فهُما على المذهب ذاته، فيما كان الكردي “المقدم الركن جواد أسعد شيتنه” آمراً لفوج مشاته الآلي الأول… أما كاتب هذه السطور فهو تركمانيّ.
أما اللواء المدرّع السادس –الذي كان رسمياً ضمن تشكيلات “خطة أمن بغداد”– بفوج مشاته وكتائب دباباته الثلاث ومدفعيّته المستقرة بثكناتها الدائمة في “معسكر المُسَيَّب” (70 كلم عن قلب بغداد)، فإن ما لا يقل عن (80%) من ضباطه ومراتبه كانوا من الإخوان الشيعة، لكون غالبيّتهم في الأساس من أهالي “كربلاء والنجف وبابل” القريبة من بلدة “معسكر المسيّب”.
البعض يزعمون تأييداً للذين أضحوا على سُدّة الحكم الفاشلة بعد 2003، أن الطائفة الشيعيّة كانوا محرومين من الإنخراط في الجيش والقوات المسلّحة وتَبَوُّء المناصب العليا في أوساطها، وذلك ما أراه كَذِباً وإفتراءً مَعيباً ومُخزِياً!!! وقد يستغرب البعض ما سأرويه ويعتبرونني ساذجاً، بأني رغم عملي المتواصل قريباً للغاية وفي مواقف عديدة ولفترات عديدة تحت إمرة “الفريق الركن نعمة فارس” سواء في الجبهة الأردنية-الإسرائيلية (1969-1970)، قبل أن يكون معلّمي في كلية الأركان والقيادة (1973-1974)، ثم وسط الفرقة المدرعة/3 (1976-1977)، فإني لم أكن أعرف مذهبه قبل واقعة “خان النص” سوى عن طريق الصدفة، فالسؤال عن المذهب والدين والأصول والجذور كان تصرّفاً مَعيباً يؤاخذ عليه السائل فيترفّع عنه، وكذلك كان حال معظمنا حتى في علاقاتنا مع الجيران والأصدقاء والزملاء، فقد كان المجتمع العراقي في معظم المدن -وبالأخص الأحياء السكنية المختلطة بأصحاب منازلها الموظفين بالدولة من أساتذةٍ وأطباءَ ومهندسين ومعلّمين وضباطاً وضباط صف- مجتمعاً متجانِساً بشكل عام قبل أن يلملم الإحتلال الأجنبي البغيض مع غزو العراق أُناساً من خارج حدوده فيُنزِل غضب الله علينا تحت ظلال ساسة مذهبيّين وفاسدين وأصحاب عمائم متنوعة ليتحكّموا بمصائر أولادنا وأحفادنا ومستقبلهم.
وأخيراً دعونا نبتسم قليلاً… فقد ذكّرَ لي صديق آخر عزيز بأن إشاعة مُضحِكة سَرَت بين أهالي “خان النُص وكربلاء” في تلك الأيام، بأن الحكومة جلبت وحدات من الجيش تضمّ أكراداً ومسيحيين للسيطرة على الأوضاع!!! ويبدو أن مُطلِقيها ربطوا ذلك بوسامة “العقيد الركن نعمة فارس” من جهة، ولكنة “المقدم الركن جواد شيتنه” الواضحة باللغة العربية من جهة ثانية.